مصدر الصورة: رويترز
فادي الأسمر- إدلب/ ايزدينا
أصبحت سلطة القضاء في مناطق شمال غرب سوريا منذ بداية سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) والعديد من الفصائل المتشددة الأخرى على مدينة إدلب عام 2015، حكراً على الفصائل المسلحة، حيث كان لكل فصيل منها "محاكم شرعية" خاصة به ولاسيما "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) التي كانت تتبع لها العديد من "المحاكم الشرعية" والتي تديرها عبر جهاديين متشدديين من جنسيات مختلفة.
واستمر هذا الحال حتى عام 2018 حيث تفردت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) بالسيطرة على المنطقة بعد طردها العديد من الفصائل من المنطقة، وأنشئت ما تعرف حالياً باسم "حكومة الإنقاذ" التي تتبع للهيئة، فأصبحت سلطة القضاء تتبع لهذه الحكومة عبر ما تعرف باسم "وزارة العدل"، وذلك في محاولة من الهيئة إظهار المنطقة بطابع مدني ومؤسساتي.
وتتبع حالياً العديد من "المحاكم الشرعية" لما تعرف باسم "حكومة الإنقاذ"، من أبرزها "محكمة إدلب" و"محكمة سلقين" و"محكمة حارم" و"محكمة أطمة" و"محكمة أريحا" وغيرها.
وتقوم هذه المحاكم بفصل النزاعات بين المدنيين وإصدار الأحكام وتسيير بعض المعاملات وغيرها، وخلافاً لما تظهره هذه المحاكم من عدم تبعيتها "لهيئة تحرير الشام" ( جبهة النصرة سابقاً) وأنها جهة مستقلة، إلا أن الواقع يؤكد تبعية القضاء بشكل كامل للهيئة في مناطق إدلب وريفها.
تدخل هيئة تحرير الشام في عمل القضاء
يقول بسام العلي (وهو اسم مستعار لحقوقي في مدينة إدلب) لموقع ايزدينا، إن قياديين بارزين في "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) يتحكمون بشكل مباشر في هذه المحاكم ويديرونها بشكل غير معلن، الأمر الذي تسبب مع الوقت بنزاعات وخلافات داخلية بين بعض القضاة و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) جراء تدخل الأخيرة بعمل سلطة القضاء وإرغام المحاكم على الالتزام بقوانين وتعليمات تصدر عن قيادة الهيئة.
ويضيف العلي أن الفترة الأخيرة شهدت خلافات بين عدد من القضاة في عدة "محاكم شرعية" وقيادة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، جراء تدخل الأخيرة بشكل مستمر في الأمور القضائية، وعدم وجود صلاحيات للمحاكم بممارسة عملها بشكل مستقل.
ويشير العلي أن القضاة يرون بأن "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) تحاول بسط نفوذها على السلطة القضائية التي يجب أن تكون مستقلة وبعيدة عن المكاسب الشخصية التي يحاول بعض القياديين في الهيئة الحصول عليها عن طريق تدخلهم في عمل "المحاكم الشرعية".
ويضيف العلي أن من بين القضاة الذين أعلنوا انشقاقهم مؤخراً عن ما تعرف باسم "وزارة العدل"، القاضي محمود عجاج الذي ينحدر من مدينة عندان بريف حلب الشمالي، والذي كان يعمل قاضياً في "محكمة أطمة الشرعية".
وأعلن عجاج عن انشقاقه عن "وزارة العدل" في 20 آذار/ مارس الفائت، بسبب ما وصفه بالتدخل المستمر في القضاء من قبل الهيئة، كما وصف "وزارة العدل" في "حكومة الإنقاذ" بأنها أصبحت "دمية بيد "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، وذلك خلال تصريحات أدلى بها لصحفيين في إدلب.
وكان القاضي طارق الجابر أعلن استقالته من منصبة "كقاضي شرعي" في "محكمة إدلب الشرعية" في الثامن من شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام الفائت 2021، بسبب ما وصفه "بالظلم والبطش" الذي تمارسه "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) على المدنيين في إدلب.
من يهيمن على السلطة القضائية في إدلب؟
تهيمن مجموعة من القيادات العسكرية في "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) على ما تعرف باسم "وزارة العدل" والتي تنبثق عنها "المحاكم الشرعية"، وغالب هؤلاء القياديين من جنسيات غير سورية بحسب ما يقول المحامي علي الجاسم ( وهو اسم مستعار لمحامي يقيم في مدينة إدلب).
ويضيف الجاسم أن "المحاكم الشرعية" في مناطق إدلب وريفها تفتقد للاستقلالية، حيث يتم تسييرها من خلف الكواليس من قبل مجموعة من القياديين والجهاديين لدى "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) مثل الملقب بـ "أبو يوسف حماة" وهو أحد أبرز القياديين في صفوف الهيئة، إضافة للمدعو أبو محمد الشامي وهو ناطق عسكري في الهيئة، فضلاً عن الوزير في "وزارة العدل" أنس السليمان المنصور وهو من أشد الموالين لـ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، والعديد من الشخصيات الأخرى.
ويذكر الجاسم أن المحاكم لا تملك القرار في إصدار الأحكام دون العودة لقيادات "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، وتعمل بتنسيق معها، كما أن الهيئة تملك قرار تعيين القضاة والموظفين في هذه المحاكم، وبالتالي فإن الكثير من الموظفين فيها من أقارب قيادات عسكرية أو حتى أقارب لوزراء ومسؤولين في "حكومة الإنقاذ"، حيث يتم تعيينهم دون وجود أي مؤهلات علمية.
ويوضح الجاسم، أن هذه المحاكم أساساً لا تزال تابعة بشكل مباشر لـ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) ولا تتبع لـ "حكومة الإنقاذ"، وأن هناك تشويه إعلامي للحقائق كي تضمن الهيئة عدم ظهورها على أنها تتحكم بالقضاء أو بأي مؤسسة مدنية أخرى.
أحكام لا تستند على القانون
بدوره يقول الصحفي السوري عمر حيلاوي المقيم في تركيا، إن الأحكام التي تصدر عن "المحاكم الشرعية" لا تستند على القانون المعتمد في سوريا أو حتى على قانون خاص مكتوب بصياغة من قبل مختصين قانونيين، بل هي عبارة عن أحكام يطلقها القضاة الشرعيون بحسب فهمهم الخاص لنصوص "الشريعة الإسلامية" وبطريقة متشددة جداً.
ويضيف حيلاوي أنه لا يوجد نظام عقوبات معروف مثل "قانون الأحوال الشخصية" الذي يتضمن مدة سجن معينة لكل جرم، بل قد يحكم على الشخص بالسجن عدة سنوات بسبب جنحة تستحق السجن لشهور فقط، لافتاً إلى أن هذه الإشكالية هي الأكثر خطورة في هذه المحاكم.
ويشير حيلاوي إلى أن المسألة الأخرى التي تتسبب بوجود ظلم شديد في هذه المحاكم هي أنها غير مستقلة وتستطيع "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) التدخل بها في أي وقت، ولا يمكن الوقوف في وجهها باعتبارها قوة عسكرية تسيطر على المنطقة، لافتاً إلى أن ذلك هو سبب الانتقادات من قبل المحامين والقضاة والاختلافات الداخلية.
ويرى حيلاوي، أن الناس لم تعد تثق بالقضاء في إدلب، وبالتالي فإن هناك توجه كبير من قبل المدنيين لحل نزاعاتهم وخلافاتهم إما بالتراضي أو عن طريق " وجهاء العشائر"، فالمحاكم لا تحقق العدل للمدنيين لأنها تأتمر بأمر سلطة الأمر الواقع في إدلب وهي "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً).
ويضيف حيلاوي أن تدخل الفصائل في السلطة القضائية بشكل عام يحول دون تطبيق القانون والعدل بين الجميع دون إملاءات أو اعتبارات.
يذكر أن "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) تتحكم وتهيمن عبر قوتها الأمنية على جميع المجالات والجوانب ضمن مناطق سيطرتها، وتفرض سلطتها على القضاء والإعلام والاقتصاد والزراعة والخدمات والمنظمات الإنسانية والكثير من الجوانب الأخرى، لضمان تقوية نفوذها ومنع الآراء التي تخالف سياستها وطريقة حكمها للمنطقة.
التعليقات