حيدر قائد حسين / ايزدينا
جرى في الآونة الأخيرة لغط كبير حول مفهوم الدولة العلمانية، وفي خضم الجدل والنقاش ضاعت الفكرة وبدا الجدل قريباً من السياسة وأبعد ما يكون عن مفهوم وجوهر العلمانية كفكرة ونظرية.
لفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة (Secularism) في الإنجليزية أو (Secularite) بالفرنسية، وهي كلمة لا صلة لها بلفظ (العلم) على الإطلاق ولا حتى مشتقاته، والعلم في اللغة الإنجليزية والفرنسية معناه (Science) والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة (Scientism)، والترجمة الصحيحة لكلمة (Secularism) هي "اللادينية" أو "الدنيوية" وتتضح الترجمة الصحيحة من التعريف الذي تورده المعاجم ودوائر المعارف الأجنبية للكلمة، فدائرة المعارف البريطانية تقول وفي مادة (Secularism) هي: "حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها".
ويقول معجم إكسفورد "الرأي الذي يقول إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية". والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو: "فصل الدين عن الدولة"، وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى الذي قد لا يكون له صلة بالدولة، ولو قيل أنها "فصل الدين عن الحياة لكان أصوب" ولذلك فإن المدلول الصحيح للعلمانية هو: "إقامة الحياة على غير الدين سواء بالنسبة للأمة أم للفرد".
وقد تطور مفهوم العلمانية في أصوله الأوروبية في مسارات عدة بسبب الحروب الدينية التي رزحت تحت وطأتها الدول الأوروبية لسنين عدة، فأصبح الدين مرادفاً للحروب، وبالتالي فإن بروز الدولة الحديثة في أوروبا تشكل مع فصل ما هو ديني عما هو دنيوي.
وقد نسبت العلمانية إلى العالم الحالي بديلاً من العالم الأخروي، والمصادر تشير إلى أن من صك مصطلح العلمانية كان الفيلسوف الإنجليزي جورج هوليوك (1817 - 1906). وقد نادى هوليوك باستقلال ما هو ديني عما هو دنيوي من دون تضارب أو حرب بين الاثنين.
وقد تشغل "العلمانية" موقعًا بارزًا بين المصطلحات والمفاهيم الإشكالية التي تناولها البحث والنقاش السياسي والفكري في البلدان العربية، ويمكن اختصار العلمانية على سبيل التبسيط في فكرة: "حيادية الدولة تجاه العقائد والأديان المختلفة في المجتمع، وفصل المجالين السياسي والديني عن بعضهما البعض".
وهناك من يقسم العلمانية الى نوعان أو صورتان؛ العلمانية الملحدة: التي تقوم على نكران الدين ووجود الله وتعادي كل من يدعو للإيمان بالله الواحد الخالق كما أنها تحارب الاديان، والعلمانية غير الملحدة أو المعتدلة: ويقوم هذا النوع من العلمانية على عدم انكار الدين ووجود الله الخالق وتسمح بممارسة الشعائر الدينية داخل البلاد ولكن يتم منع تدخل الدين في الحياة.
أما في حقيقة الأمر فإن العلمانية لا تعني رفض العقائد الدينية والدين أو نفيها أو التخلي عنها وإنما ترفض إعطاء أهمية خاصة لاعتقاد روحي معين، ولا تتيح له التدخل في شؤون البشرية الدنيوية عموماً والسياسية والقانونية على نحو خاص.
والعلمانية تعني تحرر الدولة من سلطة رجال الدين وتحرر الدين من هيمنة السلطة، وهناك مسارات عدة للعلمانية تختلف من سياق لآخر، فقد تكشف حالة من التصادم الكبير بين العلمانية والدين كما حدث في فرنسا حين تحالفت الكنيسة الكاثوليكية مع الإقطاع والنظام السياسي القائم، وعندما اشتعل فتيل الثورة الفرنسية توجهت سهامها ليس للنظام الملكي فحسب، بل لسلطة الكنيسة والتي كانت تعتبر من أكبر ملاك الأراضي، وقامت السلطة الجمهورية الوليدة بالسيطرة على ممتلكات الكنيسة وتوزيع الأراضي وبيعها.
أما في سياق آخر فقد تكشف آلة من التصالح بين العلمانية والدين، حيث أن تطور العلمانية في الولايات المتحدة كان تصالحياً، فلقد كان المستوطنون الأوائل ينظرون إلى أمريكا على أنها الأرض الموعودة ولهذا كانت كثير من الرموز التي استخدمت رموزاً دينية، بل إن كثيراً من المهاجرين إلى أمريكا هربوا من الاضطهاد الديني، وإلى يومنا هذا فإن قسم الولاء الأمريكي يتحدث عن وطن تحت إله واحد غير قابل للانشطار.
كما قد يكون هناك حالة من المهادنة مع الدين كما في العالم العربي، تماهت مع مثيلتها الغربية ولكن تهادنت مع الدين الإسلامي، فالقومية العربية والتي هي نتاج للنهضة العربية في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، قامت على الهوية العربية المناهضة للهيمنة العثمانية وسياسة التتريك، ولهذا فقد تغلب الجانب القومي على الجانب الديني.
ونلاحظ أن مسارات العلمانية اختلفت من سياق إلى آخر، فهناك تصادم مع الدين وهناك تصالح مع الدين وهناك مهادنة مع الدين، فالتاريخ والجغرافيا والتطور السياسي والاجتماعي يشكلان مخارج العلاقة بين الدين والشأن العام أو الدولة.
مقالات الرأي المنشورة هنا تعبر تحديدًا عن وجهة نظر أصحابها، ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع ايزدينا
جرى في الآونة الأخيرة لغط كبير حول مفهوم الدولة العلمانية، وفي خضم الجدل والنقاش ضاعت الفكرة وبدا الجدل قريباً من السياسة وأبعد ما يكون عن مفهوم وجوهر العلمانية كفكرة ونظرية.
لفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة (Secularism) في الإنجليزية أو (Secularite) بالفرنسية، وهي كلمة لا صلة لها بلفظ (العلم) على الإطلاق ولا حتى مشتقاته، والعلم في اللغة الإنجليزية والفرنسية معناه (Science) والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة (Scientism)، والترجمة الصحيحة لكلمة (Secularism) هي "اللادينية" أو "الدنيوية" وتتضح الترجمة الصحيحة من التعريف الذي تورده المعاجم ودوائر المعارف الأجنبية للكلمة، فدائرة المعارف البريطانية تقول وفي مادة (Secularism) هي: "حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها".
ويقول معجم إكسفورد "الرأي الذي يقول إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية". والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو: "فصل الدين عن الدولة"، وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى الذي قد لا يكون له صلة بالدولة، ولو قيل أنها "فصل الدين عن الحياة لكان أصوب" ولذلك فإن المدلول الصحيح للعلمانية هو: "إقامة الحياة على غير الدين سواء بالنسبة للأمة أم للفرد".
وقد تطور مفهوم العلمانية في أصوله الأوروبية في مسارات عدة بسبب الحروب الدينية التي رزحت تحت وطأتها الدول الأوروبية لسنين عدة، فأصبح الدين مرادفاً للحروب، وبالتالي فإن بروز الدولة الحديثة في أوروبا تشكل مع فصل ما هو ديني عما هو دنيوي.
وقد نسبت العلمانية إلى العالم الحالي بديلاً من العالم الأخروي، والمصادر تشير إلى أن من صك مصطلح العلمانية كان الفيلسوف الإنجليزي جورج هوليوك (1817 - 1906). وقد نادى هوليوك باستقلال ما هو ديني عما هو دنيوي من دون تضارب أو حرب بين الاثنين.
وقد تشغل "العلمانية" موقعًا بارزًا بين المصطلحات والمفاهيم الإشكالية التي تناولها البحث والنقاش السياسي والفكري في البلدان العربية، ويمكن اختصار العلمانية على سبيل التبسيط في فكرة: "حيادية الدولة تجاه العقائد والأديان المختلفة في المجتمع، وفصل المجالين السياسي والديني عن بعضهما البعض".
وهناك من يقسم العلمانية الى نوعان أو صورتان؛ العلمانية الملحدة: التي تقوم على نكران الدين ووجود الله وتعادي كل من يدعو للإيمان بالله الواحد الخالق كما أنها تحارب الاديان، والعلمانية غير الملحدة أو المعتدلة: ويقوم هذا النوع من العلمانية على عدم انكار الدين ووجود الله الخالق وتسمح بممارسة الشعائر الدينية داخل البلاد ولكن يتم منع تدخل الدين في الحياة.
أما في حقيقة الأمر فإن العلمانية لا تعني رفض العقائد الدينية والدين أو نفيها أو التخلي عنها وإنما ترفض إعطاء أهمية خاصة لاعتقاد روحي معين، ولا تتيح له التدخل في شؤون البشرية الدنيوية عموماً والسياسية والقانونية على نحو خاص.
والعلمانية تعني تحرر الدولة من سلطة رجال الدين وتحرر الدين من هيمنة السلطة، وهناك مسارات عدة للعلمانية تختلف من سياق لآخر، فقد تكشف حالة من التصادم الكبير بين العلمانية والدين كما حدث في فرنسا حين تحالفت الكنيسة الكاثوليكية مع الإقطاع والنظام السياسي القائم، وعندما اشتعل فتيل الثورة الفرنسية توجهت سهامها ليس للنظام الملكي فحسب، بل لسلطة الكنيسة والتي كانت تعتبر من أكبر ملاك الأراضي، وقامت السلطة الجمهورية الوليدة بالسيطرة على ممتلكات الكنيسة وتوزيع الأراضي وبيعها.
أما في سياق آخر فقد تكشف آلة من التصالح بين العلمانية والدين، حيث أن تطور العلمانية في الولايات المتحدة كان تصالحياً، فلقد كان المستوطنون الأوائل ينظرون إلى أمريكا على أنها الأرض الموعودة ولهذا كانت كثير من الرموز التي استخدمت رموزاً دينية، بل إن كثيراً من المهاجرين إلى أمريكا هربوا من الاضطهاد الديني، وإلى يومنا هذا فإن قسم الولاء الأمريكي يتحدث عن وطن تحت إله واحد غير قابل للانشطار.
كما قد يكون هناك حالة من المهادنة مع الدين كما في العالم العربي، تماهت مع مثيلتها الغربية ولكن تهادنت مع الدين الإسلامي، فالقومية العربية والتي هي نتاج للنهضة العربية في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، قامت على الهوية العربية المناهضة للهيمنة العثمانية وسياسة التتريك، ولهذا فقد تغلب الجانب القومي على الجانب الديني.
ونلاحظ أن مسارات العلمانية اختلفت من سياق إلى آخر، فهناك تصادم مع الدين وهناك تصالح مع الدين وهناك مهادنة مع الدين، فالتاريخ والجغرافيا والتطور السياسي والاجتماعي يشكلان مخارج العلاقة بين الدين والشأن العام أو الدولة.
مقالات الرأي المنشورة هنا تعبر تحديدًا عن وجهة نظر أصحابها، ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع ايزدينا
التعليقات