مصدر الصورة- فرانس برس
فادي الأسمر- إدلب/ ايزدينا
يعاني أبناء الديانة المسيحية في مدينة إدلب وريفها، الواقعة تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) من القمع والتهميش والحرمان من أبسط حقوقهم وهي الاحتفال بمناسباتهم الدينية مثل "عيد الميلاد" الذي يعتبر أحد أهم المناسبات لدى المسيحيين.
وتسبب الحرب السورية وسيطرة فصائل متشددة على منطقة إدلب وريفها، بنزوح الآلاف من أبناء الديانة المسيحية من مناطقهم، فيما لا يزال نحو 400 شخص مسيحي في مدينة إدلب وريفها الغربي بحسب إحصائيات غير رسمية.
ويتوزع من تبقى من أبناء الديانة المسيحية في أغلب أحياء مدينة إدلب، حيث يوجد فيها نحو 100 شخص فقط وأغلبهم من كبار السن، إضافة إلى نحو 300 شخص يتواجدون في قرى "الغسانية واليعقوبية والقنية والجديدة" في ريف إدلب الغربي، وغالبيتهم أيضاً من كبار السن.
غياب مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد
وقالت عدة مصادر محلية، لموقع ايزدينا، إن القرى التي يتواجد فيها المسيحيون، لم تشهد إلى الآن أي مظاهر لاحتفالات أو أفراح بمناسبة رأس السنة الميلادية، حيث اقتصرت مظاهر استقبال العام الميلادي الجديد على تزيين واجهة بعض المحلات بالأضواء فقط.
وتشير تلك المصادر إلى أن أبناء الديانة المسيحية إلى جانب بعض الأقليات الدينية الأخرى المتواجدة في المنطقة، يعانون من قمع سلطات "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، فتمر مناسباتهم الدينية بدون أي مظاهر احتفالية، خوفاً من أي ممارسات بحقهم.
يقول المسن عاصي الفرحان (وهو اسم مستعار لأحد سكان قرية اليعقوبية)، لموقع ايزدينا، إن المسيحيين في إدلب محرومون منذ بداية الأحداث في سوريا من ممارسة عاداتهم وطقوسهم الدينية بسبب سيطرة الفصائل المتشددة على مناطقهم والتي كان آخرها "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) المعروفة بتشددها الإسلامي.
المعايدة تقتصر على اتصال هاتفي
ويضيف الفرحان أنه يكتفي بمعايدة عائلته وأقربائه عبر الهاتف والذين يقيمون في أغلبهم خارج سوريا، حيث لجأ خمسة من أبنائه إلى عدة دول مثل تركيا وألمانيا وأمريكا، فيما يقطن حالياً في منزله مع زوجته بعد أن تمت مصادرة جميع ممتلكاته لصالح ما عرفت سابقاً باسم" الهيئة الإسلامية" التي تشكلت على يد فصائل ما يعرف بـ "الجيش الحر".
ويشير الفرحان أن الاحتفال بعيد الميلاد أصبح حلماً بالنسبة لهم، فضلاً عن حرمانهم من أبسط الحقوق المدنية حيث لا يجرؤ على إشهار دينه ومعتقداته أمام المدنيين خوفاً من اعتقاله بتهمة الكفر، "بحسب قوله".
ويعرب الفرحان عن أسفه، بسبب الحال الذي وصل إليه أبناء الديانة المسيحية في إدلب وريفها، من قمع للحريات وتهميش وانتهاك للحقوق، مشيراً إلى أنه ورغم أوضاعهم المعيشية الصعبة، فهم ممنوعون من الاستفادة من الدعم الإغاثي الذي تقدمه المنظمات الإنسانية بحجة وجود مصدر دخل لهم علماً أن غالبية سكان قريته من كبار السن وتمت مصادرة ممتلكاتهم.
بدوره يقول الناشط الحقوقي أحمد العمر، المقيم في تركيا، لموقع ايزدينا، إن ما يجري من قمع لحرية المعتقدات الدينية في إدلب وضمن المناطق التي يسيطر عليها ما يسمى "الجيش الوطني السوري" تعتبر جريمة بحق الإنسانية، فلا يحق لأي جهة كانت أن تمنع مواطن من ممارسة طقوس الدينية ومعتقداته والاحتفال بمناسباته وأعياده.
هجرة ونزوح أبناء الديانات والأقليات الأخرى
ويضيف العمر أن تضييق الهيئة على أبناء الديانات الأخرى مثل المسيحية والدرزية في مناطق الشمال السوري، دفعهم للهجرة والنزوح منها، بسبب خوفهم من القتل والاعتقال والاضطهاد على يد المتشددين.
ويشير العمر أن القرى التي يسكنها أبناء الديانة المسيحية في ريف إدلب تعاني من التهميش المتعمد من قبل المجالس المحلية التابعة لما تعرف بـ "حكومة الإنقاذ" والتي تعد الجناح المدني والسياسي لـ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً).
وينوه الناشط الحقوقي إلى أن عدم سماح "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) للمسيحيين بالاحتفال بعيد الميلاد يعد انتهاكاً صارخاً بحقهم، وأن على المنظمات الحقوقية العمل للضغط على الهيئة، من أجل منح المسيحيين وباقي الأقليات الدينية في إدلب كامل حقوقهم، وأبرزها إعادة الممتلكات المصادرة وضمان حق المهجرين بالعودة لمناطقهم، وممارسة طقوسهم الدينية وعدم تمييزهم مدنياً.
وبحسب إحصائيات غير رسمية، قدر عدد أبناء الديانة المسيحية في إدلب وريفها قبل عام 2015 بأكثر من 20 ألف نسمة، موزعين على عدة أحياء في مدينة إدلب وقرى "اليعقوبية والغسانية والقنية والجديدة" في منطقة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، لكن مع إحكام فصائل المعارضة المسلحة رفقة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) السيطرة على المنطقة وإنهاء سيطرة النظام السوري عليها، بدأت موجات الهجرة الجماعية لآلاف المدنيين لاسيما الشباب والفتيات خوفاً من ممارسات الفصائل المتشددة.
وقامت على إثر موجات النزوح، الفصائل المنضوية تحت مسمى "جيش الفتح" بمصادرة ممتلكات المهجرين الذين تركوا قراهم ومنازلهم قسراً.
الجدير بالذكر أن "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) تفردت منذ عام 2018 بالسيطرة على كامل منطقة إدلب وريفها وأجزاء من ريف حماة الغربي والريف الغربي لمدينة حلب، بعد أن أنهت تواجد العديد من الفصائل مثل "حركة أحرار الشام الإسلامية"، ويسكن ضمن مناطق سيطرتها نحو 4 مليون نسمة.
التعليقات