سلوى إلياس - ايزدينا
في القرن الواحد والعشرين ما زالت الإبادات تحدث بحق الشعوب بسبب انتمائهم القومي أو الديني، وهذا حال الإيزيديين منذ عدة عصور تاريخية، حيث تتالت بحقهم الإبادات الوحشية لانتمائهم الديني المسالم، وكان آخرها ما حصل في قضاء شنكال والقرى المحيطة بها، حيث قام تنظيم "داعش" الإرهابي بقتل الرجال والشباب بطرق وحشية، وسبي النساء وخطف الأطفال، ووصل أعداد ضحايا الإيزيديين إلى ما يزيد عن سبعة آلاف ضحية مابين شهيد ومفقود، فضلاً عن السبايا.
وبعد هزيمة "داعش" في المناطق التي كان يسيطر عليها خلال العامين الماضيين، استطاعت نساء إيزيديات، كنّ سبايا لدى عناصر التنظيم، من تحويل الظلم والمأساة التي تعرضنّ له إلى جسور سلام ومحبة، وذلك بعد أن هربنّ من بطش وظلم التنظيم والاستعباد الجنسي الذي تعرضوا له طيلة فترة استعبادهن.
أسماء تلك النساء الضحايا ممن نجونّ من وحشية التنظيم، تحولت إلى رموز إنسانية عالمية تدل على مدى صمود وشجاعة النساء ضد الاضطهاد والظلم، كما أنهن عبرن عن رسالة الدين الإيزيدي الذي يدعو إلى المحبة والتآخي والسلام في جميع نصوصه الدينية المقدسة.
نادية مراد، لمياء بشار، فريدة عباس، إخلاص خضر وغيرهن الكثيرات من النساء اللاتي شهدنّ الإجرام الداعشي واستطعن التخلص منه. أيقونات هامة تؤثرن على الرأي العام العالمي لمجرد نطقهن بشهادتهن الأليمة على جرائم تنظيم داعش بحق النساء الإيزيديات، وهذا ما شاهدناه في كلمة الإيزيدية لمياء بشار مؤخراً في منتدى شباب العالم في مصر، حين تحدثت عن معاناتها أثناء اختطافها، وكيف تم بيعها من داعشي لآخر عندما كانت في عمر السادسة عشر، وبقيت تعاني حوالي السنتين، إلى أن استطاعت الهروب بعد عدة محاولات فاشلة، حيث كانت تزداد رغبة في التحرر من داعش في كل مرة تفشل فيها، وأثناء محاولتها الأخيرة انفجر لغم أرضي بها وبصديقاتها، أدى لفقدان صديقاتها لحياتهن، وخرجت هي بجروح بليغة شوهت جزء من وجهها وجسدها.
ناديا مراد والتي لا تفارق الدمعة عينيها في كل مقابلاتها وأحاديثها عن الكارثة، استطاعت أن تكون صوت الحقيقة في المحافل الدولية، وتعمل حتى يومنا هذا لإيصال صوت الفتاة الإيزيدية "نرجس" التي لم تستطع الفرار واختارت الانتحار بدلاً من القبول بالاستعباد، وقد تم تكريم ناديا عدة مرات بجوائز عالمية، ومؤخراً صدر كتاب باللغة الألمانية يتناول سيرتها وكل ما حصل معها ومع نساء أخريات من ظلم وتعذيب.
فريدة عباس التي كانت تحلم بأن تصبح معلمة رياضيات، تم احتجازها في نفس المدرسة التي كانت تبني فيها أحلامها، برفقة نساء وأطفال آخرين من قرية كوجو القريبة من شنكال، وقالت لمياء بشار في كلمتها بإحدى الندوات التي شاركت فيها بأنه لو كانت قرية كوجو مليئة بالنفط لانتفض العالم لتخليص أبنائها الإيزيديين من بطش الإرهاب، ولكن لم يسمع أحداً مناجاتهم وتوسلاتهم، وكان لقرية كوجو النصيب الأكبر في هذه المجزرة، حيث أن ناديا ولمياء وفريدة هنّ من كوجو، وبفضل شجاعتهن أصبحت قرية كوجو الآن رمزاً للبطولة والشجاعة والسلام وقلعة صمود أمام الفكر الراديكالي المتطرف.
طوبى لهن ولكل من يعمل لكسر قيود الظلم، فتلك النساء تاج على رؤوسنا ومثال الطهارة والعفة، هنّ الآن تكرسن حياتهن لمد جسور المحبة والسلام وإيصال صوت جميع نساء العالم المظلومات، أقول لهن "نحن أهل لكم، ومنكم نتعلم السلام والمحبة".
سلوى إلياس، ناشطة من ايزيديي عفرين.
مقالات الرأي المنشورة هنا تعبر تحديدًا عن وجهة نظر أصحابها، ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع ايزدينا
التعليقات