سليمان جعفر - عفرين / ايزدينا
الصوم عند الإيزيدية واجب ديني وأخلاقي قبل أن يكون فرضاً، لأن الديانة الإيزيدية ديانة "إيمانية"، إيمانية التوجه نحو الله تعالى، وهو كلي الإمساك عن الطعام والشراب والتدخين والكلام السيئ وعن أي رد فعل أو تصرف سلبي ينمُّ عن الشر والحقد.
والصوم نوعان، صوم العامة المعروف بـ "صوم إيزي Êzî" الذي يصوم فيه جميع الإيزيديين ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً، والنوع الثاني هو "صوم الخاصة" وهو صوم خاص برجال الدين ويجوز لمن يرغب صيامه أيضاً، وهو صوم أربعينية الشتاء وأربعينية الصيف.
وبما أن التراث الديني الإيزيدي قد تعرّض لتحريف وتشويه ممنهج من قبل العديد من القوى والدول التي مرّت على تراب كردستان، وكانت كل دولة تضع بصمتها الممهورة بالدم والنار على الإيزيديين ومعتقداتهم في محاولات مستميتة لإزالة هذه الديانة الكردية الأولى من الوجود، لذلك نرى في كل مناسبة أو طقس إيزيدي آراء مختلفة واجتهادات لا حصر لها.
فلقصة الصوم أكثر من رأي، يعتقد بعض الإيزيديين أن هذا الصيام هو اقتداءاً بالنبي إبراهيم الخليل وأتباعه، حيث صاموا لوجه الله ثلاثة أيام قبل وضعه في النار، وعندما أصبحت النار برداً وسلاماً عليه في اليوم الرابع، ساد الفرح بينهم وأصبح عيداً لدى الإيزيدية حتى يومنا هذا.
وهناك رأي آخر في معنى الصوم الإيزيدي يعتبر الأقرب إلى الصواب، وهي أنه "إذا أمعنّا في كلمة الصيام بحد ذاتها باللغة الكردية هي "روژ ڱرت Roj girt" وتعني حرفيا "أمسك بالشمس"، وهذه الكلمة تؤكد أن الصوم عند الإيزيديين بدأ عندما لاحظوا أن النهار بدأ يقصر والليل بدأ يطول، وتلك الفترة هي فترة الانقلاب الشتوي، وبما أن الإيزيديين كانوا لا يعلمون أن ذلك أمر طبيعي، كانوا يعتقدون أن الشر بدأ يهجم على الخير، حيث كانوا يرون أن النور هو الخير، وأن الظلام هو الشر، وعندما لاحظوا أنّ الشمس بدأت بالانحسار رويداً رويداً بدؤوا يتضرعون إلى الله لكي يوقف انحسار الخير أي الشمس، وصاموا ثلاثة أيام إكراماً وتضرعاً للشمس كي لا تغيب عنهم، فاستمر النهار بالنقصان والليل بالامتداد، فصاموا في الأسبوع التالي تضرعاً لأوليائهم، الذين يسمونه الإيزيديون خودان xudan لكي يتدخل ويوقف الشمس عن الانحسار، ولكن الشمس أو النور أو الخير استمر في ذلك الانحسار، وفي الأسبوع الأخير صاموا ثلاثة أيام لوجه الله Êzî تضرعاً، فتوقف انحسار الشمس، واحتفلوا في اليوم الرابع وفرحوا وابتهلوا لله تعالى الذي أوقف أفول الشمس /الخير/ النور، ومنذ ذلك الحين وبنفس التوقيت يصوم الإيزيديون، الذين اعتقدوا أنهم أوقفوا الشمس، فقالوا بالكردية "me roji girt" أي أوقفنا أو أمسكنا الشمس.
في صبيحة العيد يستيقظ الإيزيديون باكراً وينحرون الأضحية كل حسب إمكانياته المادية، ويتطهرون ويرتدون ملابسهم الجديدة ويبتهلون إلى الله كي يعم الخير عليهم، ويقيهم من الشرور والويلات، ثم تذهب النساء لزيارة مقابر موتاهن، وعلى المقابر تبدأ النسوة بتوزيع الحلوى والسكاكر على الموجودين، وخاصة الأطفال الذين يحمل كل منهم كيساً ليجمع فيه ما تيسّر له من حلوى وفواكه، وهنا تكون بعض النسوة اللاتي بقين في البيوت قد حضرن الطعام فتضع كل واحدة ما طبخته، بالإضافة إلى الحلويات والفواكه الموجودة في صدر البيت بانتظار قدوم المهنئين.
ويجب على كل من دخل إليهم مهنئاً، أن يتناول من ذلك الطعام أو أن يتناول ولو قطعة حلوى، تعبيراً عن مشاركته لأهل البيت فرحتهم، وبعد أن تهنئ كل عائلة أفراد عائلتها بالعيد، يقوم معظم الرجال من كل العوائل الموجودة في القرية بزيارات متبادلة، وترى القرية الإيزيدية بعد قرابة ساعة من عودتهم من زيارة القبور، وكأنها خلية نحل، حيث ترى الرجال مجموعات مجموعات ما أن يخرجون من بيت حتى يدخلون بيتاً آخراً، وترى الابتسامات تعلو محيّاهم وكأن الجميع في مهرجان أو عرس، وفي نهاية المطاف تستقر كل مجموعة أو عائلة في بيت شيخهم أو كبيرهم يتبادلون أطراف الأحاديث الشيقة بكل محبة، وتراهم وكأن لسان حالهم يقول "أيا ليت العيد يدوم، فالعيد مناسبة تبتهج فيها القلوب وتطمئن النفوس وتزول الأحقاد، وتزداد الألفة والمحبة".
ملاحظة: "يبدأ الصيام الإيزيدي هذا العام يوم الثلاثاء الواقع في 12 كانون الأول، ويكون يوم الجمعة الواقع في 15 كانون الأول عيد الصيام Cejna Rojiyên Êzî".
التعليقات