ليث المحمد - إدلب / ايزدينا
مع بدء موسم حصاد القمح في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) في مدينة إدلب وريفها، تبدأ ما تعرف "بهيئة الزكاة" التابعة لما تسمى "حكومة الإنقاذ" والتي تعتبر الجناح المدني للهيئة بعملية جمع الإتاوات من المدنيين في إطار استمرارها بسرقة قوت الناس في مناطق نفوذها.
وتعرف "هيئة الزكاة" بكونها الجهة المخولة بجمع الضرائب والإتاوات تحت ذريعة "زكاة المال"، وبحجة مساعدة المحتاجين في مخيمات النزوح، لكن الحقيقة تختلف عن ذلك.
يقول عباس محمد ( وهو اسم مستعار لصحفي مقيم في ريف إدلب الشمالي) لموقع ايزدينا إن الأموال التي يتم جمعها من الإتاوات ومن بينها باسم "زكاة المال" تذهب لدعم المسلحين في "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وتدشين نقاط التماس مع قوات النظام
ويضيف محمد، أن جزء كبير من هذه الأموال تسرق من قبل مسؤولي ما تعرف باسم "هيئة الزكاة" ومن قبل قياديين في "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، مشيراً أن ذلك يفسر الثروات الكبيرة التي يملكها هؤلاء المسؤولون، ومن بينهم المدعو "أبو عبد الرحمن الزربة" الذي يتحكم بنصف اقتصاد الشمال السوري ويدير شركة "وتد" للبترول التي تتحكم بأسعار المحروقات في إدلب وريفها، حيث يملك لوحده أكثر من ثلاث فيلات ويقدر دخله الشهري بنحو 50 ألف دولار أمريكي.
ويشير محمد، أن هذه الأموال تدفع من قبل المزارعين عنوة ورغماً عنهم، حيث يرافق موظفو "هيئة الزكاة" الحصادات التي تحصد مواسم المزارعين بانتظار الانتهاء لسرقة حصتهم منها.
ويلفت محمد إلى أن المزارعين في إدلب وريفها يعرفون فرضية الزكاة التي تفرض شرعاً على المسلمين، لكنهم لا يملكون القدرة على منح الزكاة لأقاربهم المحتاجين، ولا يسمح لهم بمنحها إلا "لحكومة الإنقاذ" وتحت طائلة العقوبة لمن يمتنع عن ذلك.
ويؤكد محمد أن "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) تضع موضوع جمع الإتاوات بحجة الزكاة في سلم أولوياتها، ومستعدة لشن هجوم على بلدة بأكملها وقتل المدنيين في حال رفض أهالي البلدة تسليمهم الإتاوات المفروضة عليهم، مشيراً إلى أن ذلك ما حدث في بلدة "كفرتخاريم" في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، حينما اقتحمت البلدة بالأسلحة الثقيلة بسبب رفض الأهالي دفع إتاوات لها أثناء موسم الزيتون، وقتلت وأصابت عدد من المدنيين.
بدوره يؤكد خالد العلي ( وهو اسم مستعار لمزارع من قرية قسطون بسهل الغاب في ريف حماة الغربي) أن موظفي "هيئة الزكاة" رافقوا الحصادات أثناء حصاد الموسم الزراعي، بدعم من مسلحين تابعين لـ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وأجبرت جميع المزارعين على دفع الإتاوات.
ويضيف العلي، أنه يملك قطعة أرض تقدر بـ 20 دونماً، وأن سعر القمح الذي أخذته "هيئة الزكاة" منه يبلغ 400 دولار أمريكي رغم تراجع إنتاج موسم القمح هذا العام بسبب شح الأمطار وعدم وجود اهتمام بالمحصول الزراعي بسبب قرب الأراضي الزراعية في منطقة سهل الغاب من نقاط التماس العسكرية وتكرر استهداف المزارعين من قبل قوات النظام السوري.
ويشير العلي، أن جميع المزارعين في منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي أُرغِموا على دفع الإتاوات بحجة "زكاة المال" رغم تعرض الكثير من المزارعين لخسائر بسبب احتراق مساحات واسعة من المحاصيل الزراعية بسبب القصف المدفعي، مضيفاً أن المزارع الذي احترقت نصف محصوله بقذائف قوات النظام مثلاً، سرق موظفو "حكومة الإنقاذ" النصف الآخر.
وتقدر المساحات الزراعية المزروعة بالقمح في منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي بنحو 17 ألف دونم فقط، بعد سيطرة قوات النظام على أكثر من 75 بالمئة من مساحة سهل الغاب الذي كان يعد السلة الغذائية للمنطقة الوسطى في سوريا.
بدوره يقول رائد الجابر ( وهو اسم مستعار لمزارع من بلدة كفرعويد في ريف إدلب الجنوبي) إنه يملك قطعة أرض في بلدة "كفرعويد" تقدر بنحو سبعة دونمات، وأن الزراعة تعتبر مصدر دخله الوحيد لأسرته المكونة من ستة أفراد، مشيراً إلى أنه رغم قرب البلدة من مناطق سيطرة قوات النظام السوري وتكرار القصف المدفعي عليها، فقد فضل البقاء للاهتمام بمحصوله الزراعي.
ويضيف الجابر، أن "هيئة الزكاة" كانت بانتظار الحصادة حتى تنتهي من حصاد محصوله لتأخذ حصتها المفروضة بقوة السلاح دون أن يجرؤ أحد على الاعتراض، مشيراً إلى أنه تبين أنه خسر في هذا الموسم الزراعي بعد حساب تكاليف الزراعة الباهظة مقارنة بأسعار القمح وإنتاج الموسم، لكنه لا يملك حلاً آخر في ظل انعدام فرص العمل وشح المساعدات الإنسانية وارتفاع الأسعار بشكل جنوني.
ويؤكد الجابر، أن هيمنة "حكومة الإنقاذ" على المزارعين تسببت بخسارتهم بشكل كبير في جميع المواسم، حيث أن موسم القمح لهذا العام ستقوم بشرائه من المزارعين بسعر 300 دولار أمريكي للطن الواحد، مشيراً إلى أن السعر يعتبر قليل جداً ولا يتناسب مع تكلفة الزراعة وأتعاب المزارع خلال فترة الموسم الزراعي.
الجدير بالذكر أن "حكومة الإنقاذ" لا تتوقف عند سرقة محاصيل القمح من المزارعين بحجة "زكاة المال" فقط، بل تأخذ الإتاوات من جميع المواسم الزراعية "زيتون، قمح، وخضروات وغيرها"، كما تطال الإتاوات المحلات التجارية بجميع أنواعها وأصحاب الحرف اليدوية وأصحاب المشاريع الصغيرة، وبذلك تحصل على ملايين الدولارات سنوياً.
التعليقات