مصدر الصورة: .vice.com
فادي الأسمر- إدلب / ايزدينا
يقع جيل الشباب والأطفال السوريين في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، ضحية مناهج متشددة تكفيرية؛ يتم تدريسها لهم عبر دورات مكثفة تسمى "شرعية"، ما تترك آثار سلبية كبيرة تنعكس على حياة ومستقبل هؤلاء الشباب والأطفال.
وتؤكد مصادر متعددة، اطلعت على هذه المناهج، لموقع ايزدينا، أنه يتم زرع أفكار متطرفة في أذهان الشباب والأطفال؛ لا تتناسب مع القدرات الإدراكية لديهم، ما يجعل الكثير منهم يقومون بتكفير الطوائف والأفراد والجماعات الأخرى، الأمر الذي أوصلهم إلى حد ارتكاب جرائم جراء هذه الأفكار التي تم زرعها في عقولهم عبر هذه الدورات "الشرعية.
وتوضح مصادر خاصة للموقع أن الدورات الشرعية التي تقيمها "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) لكل منتسب جديد لصفوفها، يُشرف عليها أشخاص من سوريا ومن دول أخرى مثل دول الخليج العربي بالدرجة الأولى ثم مصر وتونس والمغرب وغيرها، حيث تتضمن هذه الدورات تعليم الأطفال أفكار متعددة بطريقة متشددة تنافي الدين الإسلامي، ويتم التركيز في هذه الدورات على أبواب "العقيدة" و "الجهاد" بالدرجة الأولى.
![]() |
مصدر الصورة: .vice.com |
وتضيف المصادر أن هذه الأبواب تتفرع عنها عدة مواضيع مثل ما يعرف بـ "الولاء والبراء"، وعقيدة تكفير غير المسلم، وقتال الكفار، ثم يتدرج العنصر في مواضيع أخرى مثل تفسير آيات القتال الواردة في القرءان وأحاديث نبوية تحث على القتال، ثم موضوع أحكام الحرب وما يتفرع عنها من طريقة القتال والتعامل مع العدو والأسرى وغيرها الكثير من المواضيع التي يتم زرعها في عقول العناصر المنضوين حديثاً لصفوف "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً).
وتشير المصادر إلى أن هذه الطريقة لا تختلف عن طريقة باقي الجماعات الجهادية العاملة ضمن مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، مثل جماعات "الأوزبك، الشيشان، التركستان".
محاولة قتل بسبب كلمة عفوية
يقول عبد الله الخالد ( وهو اسم مستعار لأحد سكان بلدة اللطامنة في ريف حماة الشمالي) لموقع ايزدينا، إنه تعرض لمحاولة قتل بسبب كلمة قالها بعفوية مطلع شهر آذار/ مارس من عام 2017، عندما كان يعمل في "سوبرماركت" يملكها.
ويوضح الخالد، أن أحد أقربائه وهو طفل في عمر 17 عاماً كان انضم حديثاً لـ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) زاره في المحل وطلب منه مبلغاً من المال، فردَّ عليه بكلمة قالها بلهجته العامية (حلْ عن ربي)، الأمر الذي أدى لغضب الطفل ومغادرته المحل.
ويضيف الخالد، أنه وفي ذات اليوم، اقتحمت مجموعة مسلحة مكان عمله، وعلى رأسهم ذلك الطفل، وقاموا على الفور بوضعه في سيارتهم والانطلاق به إلى بلدة "سرمدا" الواقعة على الحدود مع تركيا في ريف إدلب الشمالي، حيث زج به داخل غرفة منفردة لعدة أيام، وتم تعذيبه بشدة، وأن ذلك الطفل اتصل بأقربائه وأخبرهم بأنه مخطوف لديه وسيقوم بقتله.
ويتابع الخالد، أن ذويه قاموا بتوكيل أحد الأشخاص المقربين من الطفل والتوسط لديه لعدم قتله بسبب الكلمة التي قالها دون انتباه كما برروا له، وبعد محاولات عديدة، قام بالإفراج عنه بعد أربعة أيام من احتجازه دون معرفة القيادة التي ينتمي إليها.
ويشير الخالد أن الطفل قال لـه أثناء تعذيبه إنه تعلم في معاهد "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) بأن دم كل من يتلفظ بما أسماه كلمات "كفرية" مسفوح ويجب قتله بحكم ردته عن دين الإسلام.
![]() |
مصدر الصورة: .vice.com |
وتؤكد مصادر خاصة لموقع ايزدينا، وجود 8 مراكز أساسية في مناطق إدلب وريفها، تستقبل المجندين الجدد لدى "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، وتقيم لهم بعد إجراء الاختبارات الأولية ومعرفة معلومات عنهم، دورات "شرعية" تستمر لمدة شهر كامل، يشرف عليها أشخاص متشددين من سوريا وجنسيات مختلفة، ومن بينهم العديد من المنشقين عن تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث تنتشر هذه المراكز في كل من الريف الغربي والشمالي والجنوبي من إدلب، إضافة لمركز المدينة.
وتوضح المصادر، أن الدوام ضمن الدورات "الشرعية" يبدأ من الساعة الخامسة فجراً وحتى ساعات منتصف الليل، يتخللها العديد من الدروس، حيث ينتقل العناصر من مدرِّس "شرعي" لآخر ويتم زرع أفكار متشددة تحث على القتال في عقولهم، فيخرج الشاب أو الطفل من هذه الدورات وقد تشرب الأفكار الجهادية المتشددة، ويبدأ بتطبيق ما تعلمه في منزله ومحيطه.
إطلاق النار على شباب بسبب تدخين الأركيلة
وليست قصة الخالد هي الوحيدة من نوعها، فالشاب عزو الأحمد 26 عاماً ( وهو اسم مستعار لمدني من سكان بلدة كفروما في ريف إدلب الجنوبي) له قصة تحمل ذات الألم والأثر رغم اختلاف التفاصيل.
يقول الأحمد، إنه في إحدى الليالي الصيفية من شهر آب/ أغسطس من عام 2018، وبينما كان جالساً مع عدد من أصدقائه يدخنون الأركيلة (الشيشة) دخل عليهم شقيقه البالغ من العمر (23 عاماً) وهو عنصر في "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، أثناء زيارته للمنزل بعد قضاء أشهر في المعسكرات.
ويتابع الأحمد، أن شقيقه وبمجرد رؤيتهم أطلق النار من بندقيته "الروسية" وصوبها تجاه أقدامهم، حيث أصابت أحد أصدقائه الشباب في قدمه، وتم إسعافه على الفور إلى إحدى المشافي في المنطقة.
ويضيف الأحمد أن عناصر الشرطة التابعين لـ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وصلوا لمكان الحادث ولكن لم يقوموا بتوقيف شقيقه بعد حصولهم على معلومات عن تفاصيل الحادثة، ومعرفتهم بأنه أحد عناصر "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وتحججوا بعدم وجود أضرار بليغة وعدم خطورة الإصابة.
ويشير الأحمد أنه تشاجر مع شقيقه بسبب فعلته، ولكنه أكد له ولجميع الموجودين أثناء الحادثة أن فعلته "صحيحة" بحجة تحريم تدخين الأركيلة (الشيشة).
ويؤكد الأحمد، أنه تم زرع أفكار وأحكام متشددة في عقل شقيقه، وأن عائلته ضاقت به ذرعاً، حيث يقوم بتكفير غيره في كل مناسبة.
![]() |
مصدر الصورة: .vice.com |
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعدى خطر المناهج التي تدرس للشباب والأطفال سوريين ضمن معسكرات "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) إلى تكفير الرموز الدينية والشخصيات العامة، والحكومات، ما يؤدي لنوع من عدم ثقة الشاب أو الطفل بأحد، بسبب نظرته لنفسه أنه هو الصواب وما دونه هو الخطأ، ولذلك أبعاد نفسية أيضاً تبقى ملازمة له طوال حياته.
ضغوط نفسية تلازم الأطفال والشباب
يقول ناصر العرجي، وهو طبيب نفسي سوري مقيم في تركيا، لايزدينا، إن الكثير من الشباب والأطفال الذين انخرطوا في هذه الدورات لدى "هيئة تحرير الشام"(جبهة النصرة سابقاً)، عانوا كثيراً ووصل بهم الحال إلى درجة "الإلحاد"، ومحاولة الانتحار بعد انشقاقهم عن الهيئة.
ويضيف العرجي، أنه في عام 2020، التقى في مدينة الريحانية التركية بشاب من ريف دمشق كان انضم لعدة سنوات لـ "هيئة تحرير الشام"(جبهة النصرة سابقاً) ثم انشق بعد اشتداد المعارك ضد قوات النظام السوري منتصف عام 2019، ليلجأ بعد انشقاقه إلى تركيا عبر طرق التهريب.
ويوضح العرجي أن الشاب كان في وضع نفسي حرج جداً، وصل به الحال إلى درجة "الإلحاد" وكره الحياة وتمني الموت بعد تعرضه للضغوط النفسية، بسبب ما شاهده من تصرفات قياديه السابقين، الذين يزرعون أفكار التشدد والتكفير بعقول عناصرهم؛ في الوقت الذي يفعلون به أشياء منافية لما يقولونه، حيث شاهد تعاطيهم للحبوب والمخدرات، وظلمهم للمدنيين، وشتم الآخرين بألفاظ قبيحة، الأمر الذي أدى لنفوره من "الدين والتدين" بشكل عام.
![]() |
مصدر الصورة: .vice.com |
يذكر أنه ومنذ بداية الأحداث في سوريا عام 2011، وظهور الجماعات الجهادية المتشددة وعلى رأسها "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، حدثت بين المدنيين الكثير من حالات القتل والإصابات والمشاجرات بسبب منهجية التكفير التي ينتهجها هؤلاء الشباب والأطفال عند عودتهم لمنازلهم وخيامهم جراء تلك المناهج التكفيرية التي يتم زرعها بعقولهم.
الجدير بالذكر أن آثار المناهج التكفيرية على الشباب والأطفال الذين يخضعون لدورات لدى الجماعات الجهادية المتشددة كبيرة، منها آثار نفسية ومعيشية واجتماعية، ولا يزال خطر هذه المناهج قائم بسبب استمرار جر وتجنيد المزيد من الأجيال إلى هذ الدورات.
التعليقات