جان محمد- متابعات/ ايزدينا
أعدت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" تقريراً موسعاً عن ظاهرة المستوطنات "القرى غير الشرعية" بمنطقة "جبل الأحلام" في عفرين المحتلة، تحت عنوان "التجمعات السكنية في عفرين: مخططات هندسة ديمغرافية أم مشاريع لإيواء نازحين؟".
وأوضح تقرير المنظمة، أن عدة فصائل معارضة تابعة لما يسمى "الجيش الوطني السوري" بدأت ببناء واحدة من أكبر المستوطنات البشرية بموافقة من سلطات الاحتلال التركي، في منطقة عفرين المحتلة، مضيفاً أنه تم تخصيص معظمها لإسكان مقاتلي تلك الفصائل وعائلاتهم.
وأشار التقرير أنه تمّ بناء المستوطنة على مساحة شاسعة من المنطقة التي تُعرف محلّياً باسم "جبل الأحلام"، والتي تشكّل جزءاً من جبل الأكراد، وتتميز بموقع استراتيجي هام يطل على مركز مدينة عفرين المحتلة، ويفصل بين المناطق المحتلة من قبل تركيا من جهة وقوات النظام السوري وعدد من القواعد الروسية، من جهة أخرى.
المسؤول المباشر
وذكر التقرير أن والي ولاية هاتاي التركية رحمي دوغان هو أحد المسؤولين المباشرين عن بناء المستوطنة، من خلال إعطاء الضوء الأخضر لعدد من المنظمات الإغاثية المحلية والدولية من جهة والمجلس المحلي لمدينة عفرين من جهة أخرى، للبدء ببناء المستوطنة على سفح الجبل وتخديمه، بعد أنّ عرضت مجموعة من الفصائل الموالية لتركيا وعلى رأسهم "الجبهة الشامية" فكرة المشروع على السلطات التركية.
ولفت التقرير أن دور بعض المنظمات تجاوز تقديم الخدمات العامّة لعائلات المقاتلين، إلى بناء قرى بأكملها لهم، وذلك لإضفاء صبغة مدنية على المشروع المخصص أساساً لإسكان المقاتلين وعوائلهم؛ ومنها قرية "كويت الرحمة" التي بُنيت بدعم من "جمعية الرحمة العالمية" ومتبرعين من دولة الكويت، وذلك بحسب "جمعية شام الخير الإنسانية" التي نفّذت مشروع المستوطنة.
وكانت صحيفة "الوطن" الكويتية، كشفت في تقرير لها بتاريخ 2 أيلول/ سبتمبر 2021، على أنّ قرية "كويت الرحمة" هي واحدة من مجموعة "القرى النموذجية" التي سوف يتمّ بناؤها على الحدود التركية السورية، بحسب التقرير.
دور المجلس المحلي
ولفت التقرير إلى دور المجلس المحلي لمدينة عفرين المحتلة، والذي تمّ تشكيله من قبل سلطات الاحتلال التركي بعد احتلال المنطقة عسكرياً عام 2018، على منح وثيقة تمّ تداولها باس "ورقة تخصيص"، بموافقة والي ولاية هاتاي التركية رحمي دوغان، حيث تعتبر الوثيقة بمثابة "إثبات ملكية للبناء" دون الأرض بحسب "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة".
وقال تقرير المنظمة إن التخطيط لعملية إنشاء "قرية كويت الرحمة والمساكن المحيطة به" على مساحات واسعة في "جبل الأحلام" بدأت في أوائل عام 2021، ولا تزال مستمرة، حيث أنه من المخطط أن تمتد لتشمل الجبل كاملاً.
وكشفت التقرير أن تسعة فصائل تابعة لما يسمى "الجيش الوطني السوري"، متورطة بشكل أساسي في هذا المشروع وعلى رأسها فصيل "الجبهة الشامية" بقيادة المدعو مهند الخلف والمعروف باسم "أحمد نور".
وأوضح التقرير أن رجال الدين "الشرعيون" في تلك الفصائل لعبوا دوراً كبيراً في ترغيب المقاتلين بتسجيل أسماءهم في عمليات تقسيم المنطقة، ولاحقاً توزيع الأراضي على المقاتلين وعائلاتهم.
المنظمات المتورطة
وكشف التقرير أيضاً عن تورط عدد من المنظمات المحلية والدولية في عمليه الترويج للمشروع ودعمه، عبر الترويج على أنه يهدف لاستفادة المدنيين منه بشكل أساسي، في حين أنّ مقاتلي الفصائل المعارضة الموالية لقوات الاحتلال التركي وعائلاتهم، والذين ينحدرون من مناطق ريف دمشق وحمص وحماه، كانوا المستفيدين الأساسيين من المشروع الاستيطاني؛ حيث بلغت نسبة المستفيدين من المدنيين حوالي 25 بالمائة فقط، وكان من أبرز هذه المنظمات هي منظمة "هيئة الإغاثة الإنسانية التركية IHH"، والتي قدمت مواد بناء قدرت قيمتها بنحو ألف دولار أمريكي لكل مستفيد.
وقال التقرير إن تركيا بوصفها قوة احتلال تتحمل المسؤولية المطلقة عن عدد من الانتهاكات لقوانين الاحتلال في شمال غرب سوريا، بموجب المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة. وإنّ التخصيص الانتقائي لتراخيص البناء الذي يقدّم مصالح فصائل ما يسمى "الجيش الوطني السوري" على مصلحة المدنيين، يشكل تصرفاً تمييزياً في توزيع المساعدات؛ وهو انتهاك للمادة 60 من اتفاقية جنيف الرابعة؛ وبالتالي يخلق عائقاً بين المدنيين واحتياجاتهم الأساسية.
تغيير ديموغرافي
وأضاف التقرير أنه بالنظر إلى نمط الانتهاكات التي وثقتها "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" وغيرها من المنظمات في المناطق المحتلة من قبل تركيا في شمال غرب سوريا، فإن المستوطنات يتم انشاؤها لتكون جزءاَ من عملية ممنهجة لتغيير التركيبة الديموغرافية في عفرين المحتلة، حيث تخضع المنطقة لتغيير واضح، نتيجة توطين السوريين النازحين من أجزاء أخرى من البلاد عقب تهجير السكان الكرد بشكل أساسي، ووسط قمعٍ واسع للثقافة الكردية في عفرين.
ولفت التقرير أن استمرار الفصائل المدعومة من قبل قوات الاحتلال التركي بالسيطرة على منطقة عفرين والاستيلاء وتأجير ممتلكات المدنيين الذين نزحوا أو فروا من المنطقة خلال عملية "غصن الزيتون"، يجعل أي عودة محتملة للسكان أمراً أكثر صعوبة.
وأشار التقرير أنه على الرغم من الادعاءات بأن هذه المستوطنات يتم بناؤها على أراض تعود ملكيتها للدولة، إلا أنّ القوانين الجزائية السورية وصفت التعدي على الأملاك العامة بالجرم وعاقبت عليه في القانون، إذ نصت المادة 724 من قانون العقوبات العام رقم 148 لعام 1949 بأنه "يعاقب بالحبس حتى ستة أشهر من أقدم على غصب قسم من الأملاك العامة المرفقة وغير المرفقة".
وقال التقرير إنه يتعين على المانحين من القطاع الخاص ومنظمات الإغاثة، فضلاً عن حكومات دولهم، ضمان أن يتم توزيع المساعدات بشكل منصف وبطريقة لا تنتهك حقوق الملكية وعودة السكان المدنيين النازحين، وأن الأمر الأكثر أهميةً هو أن تركيا بصفتها قوة احتلال وتمارس السيطرة الفعلية في منطقة عفرين المحتلة وأجزاء أخرى من شمال غرب سوريا، هي المسؤولة مباشرةً عن الانتهاكات والقضايا التي تنطوي عليها المستوطنات حتى الآن.
وخلص التقرير إلى أن على مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوربي اتخاذ مواقف صارمة تجاه محاولات التغيير الديموغرافي القسرية في عموم سوريا تحت أي مسمّى، وضمان ألاّ تساهم المساعدات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار والتعافي المبكّر بترسيخ تلك العمليات وجعلها أمراً واقعاً.
التعليقات