فادي الأسمر- إدلب/ ايزدينا
بدأت ما تسمى "الحكومة المؤقتة"، وهي الجناح المدني للفصائل الموالية لقوات الاحتلال التركي في ريف حلب الشمالي بشراء كامل محصول القمح من المزارعين مع بداية موسم حصاد القمح خلال العام الجاري 2022، عبر "مؤسسة إكثار البذار"، بالتزامن مع إصدار قرار بمنع تصدير القمح لخارج مناطق نفوذ الفصائل الموالية للاحتلال التركي، حيث فرضت على المزارعين بيع القمح لها بسعر 475 دولار أمريكي للطن الواحد.
ورغم قرار منع التصدير، إلا أن قياديين عسكريين وبغطاء مدني، عمدوا إلى تصدير كميات كبيرة من القمح وتهريبها إلى تركيا للاستفادة من فارق السعر، الأمر الذي يهدد بتضرر المدنيين جراء عمليات التهريب المستمرة، حيث سيؤثر ذلك بشكل مباشر على الأفران وعلى كميات البذار المخزنة للموسم القادم، حيث سيضطرهم لشراء القمح مرة أخرى من تركيا بأسعار مرتفعة وذلك بحسب ما يؤكد العديد من المزارعين والنشطاء في المنطقة.
يقول زيد الخالد (وهو اسم مستعار لعنصر سابق ضمن فصيل "فرقة السلطان سليمان شاه")، لموقع ايزدينا، إن عمليات تهريب كميات كبيرة من القمح تجري باتجاه الأراضي التركية في وضح النهار من خلال معبر "الراعي" الحدودي، حيث يشرف فصيل "فرقة السلطان مراد" بقيادة المدعو فهيم العيسى على عمليات التهريب من خلال إرسال عشرات الشاحنات يومياً إلى الداخل التركي بهدف بيع القمح لتجار أتراك وبأسعار مرتفعة مقارنة مع سعر القمح في ريف حلب الشمالي.
التهريب بعلم "الحكومة المؤقتة"
ويضيف الخالد أن عمليات التهريب مستمرة منذ منتصف شهر حزيران/ يونيو الفائت وبعلم "الحكومة المؤقتة" وبغطاء كامل من موظفيها المتواجدين على "معبر الراعي"، حيث ترافق هذه الشاحنات عدة دوريات عسكرية تابعة لفصيل "فرقة السلطان مراد" بهدف حمايتها وتأمين وصولها إلى تركيا، لافتاً إلى أن سبب تفرد الفصيل بعمليات التهريب هو قيام قياداته وعلى رأسهم المدعو فهيم العيسى بشراء كميات كبيرة من القمح من "الحكومة المؤقتة" بحجة دعم الأفران التابعة للفصيل، بالتعاون مع مسؤولين من داخل "مؤسسة إكثار البذار".
ويشير الخالد إلى أن فصيل "فرقة السلطان مراد" عمل على استنفار معظم مقراته العسكرية خلال هذه الفترة لتأمين عمليات تهريب القمح إلى تركيا ولتوقعه باصطدام مع فصائل أخرى بهدف تقاسم عمليات التهريب والاتجار بالقمح، باعتبار أن عدة فصائل تستطيع التدخل.
ويتابع الخالد أن كميات القمح التي تم تهريبها إلى تركيا تقدر بآلاف الأطنان حتى الآن، مضيفاً أن شركات وتجار أتراك فضلوا شراء القمح السوري لجودته وأفضليته عن القمح التركي حيث يتم تصديره إلى خارج تركيا.
وانتشر مقطع فيديو مصور على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر شاحنات محملة بالقمح في طريقها إلى تركيا من خلال معبر "الراعي" الحدودي، حيث أكد ناشطون وعدة مصادر إشراف فصيل "فرقة السلطان مراد" على هذه العمليات، وأثار الخبر موجة استياء كبيرة لدى المدنيين ولاسيما المزارعين، بسبب شراء القمح منهم بأسعار منخفضة، وبيعها لتجار وشركات تركية خاصة بأسعار مرتفعة، حيث يصل سعر طن القمح في تركيا قرابة 600 دولار أمريكي.
خداع المزارعين
بدوره يقول دياب العلي ( وهو اسم مستعار لناشط صحفي يقيم في مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي)، إن "الحكومة المؤقتة" خدعت آلاف المزارعين بشراء كامل محصول القمح منهم بسعر منخفض، مقارنة مع تكاليف الزراعة الباهظة، لاسيما وأن مؤسسات الحكومة المعنية بشؤون الزراعة لم تقدم أي مساعدة لهم باستثناء بيعهم الأسمدة والمبيدات الحشرية بسعر لا يختلف كثيراً عن سعر السوق، وهي الآن تتعاون مع فصيل "فرقة السلطان مراد" لتهريب القمح إلى تركيا.
ويضيف العلي أن عمليات التهريب ستؤثر بشكل كبير على المدنيين عموماً، حيث أن تصدير نسبة كبيرة من مخزون القمح سيؤثر على عمل الأفران التي تعتمد بالدرجة الأولى على القمح المحلي في إنتاج الخبز، ونفاد الكمية بعد عدة أشهر سينعكس سلباً على هذه الأفران وسيؤدي لارتفاع سعر ربطة الخبز، كما سينخفض مخزون البذار الذي يتم تخزينه عادة للموسم الزراعي القادم من ناحية أخرى، لافتاً إلى أن إن الإنتاج المحلي للقمح تراجع بشكل كبير خصوصاً خلال السنوات القليلة الماضية.
التجار الأتراك يفضلون القمح السوري
ويشير العلي إلى أن الشركات الخاصة التركية والتجار يفضلون القمح السوري لتحضير الخبز السياحي ولتصدير القمح السوري إلى دول أخرى وكسب أرباح كبيرة جداً، أما "الحكومة المؤقتة" والفصائل المسلحة فلا يهمها مصلحة المدنيين الذين يعيشون ضمن مناطق نفوذها وكل همها هو كسب المال وجمع الثروات، حيث تتحكم تركيا بجميع المنافذ الاقتصادية للمنطقة دون الأخذ بعين الاعتبار لأي نتائج سلبية بسبب ذلك على المنطقة.
وتسببت حادثة تهريب القمح باتجاه تركيا عن طريق فصيل "فرقة السلطان مراد" بحالة من الاستياء لدى المزارعين الذين رفضوا خروج كميات كبيرة من القمح بعد أن منعت عنهم "الحكومة المؤقتة" وبقرار رسمي التصدير والبيع لخارج مناطق نفوذها.
من جهته يقول عمر العبيدي (وهو اسم مستعار لمزارع يقيم في مدينة إعزاز) إن تهريب القمح إلى تركيا يعتبر سرقة واضحة لمخزون البذار واحتياطي الأفران الذي بالكاد يسد حاجة المنطقة لهذا العام بسبب تراجع إنتاج الأراضي الزراعية.
ويضيف العبيدي أن فصيل "فرقة السلطان مراد" شريك مع "الحكومة المؤقتة" في عملية التهريب، ولا بد من أنها هي من كلفته بذلك للتملص من المسؤولية، حيث أن الجميع يعلم بأن إدارة المعابر تعود للحكومة المؤقتة فكيف تسمح بتهريب كل هذه الكميات؟.
ويشير العبيدي أن الموسم الزراعي القادم يحتاج إلى آلاف الأطنان من بذار القمح، كما أن أفران الخبز المنتشرة في جميع مناطق ريف حلب الشمالي ومناطق أخرى، ستقوم باستيراد الطحين من تركيا بأسعار مرتفعة في حال نفد المخزون، لافتاً إلى أن يجب وضع حد لعمليات تهريب القمح ومحاسبة جميع المتورطين.
الفصائل هي المستفيدة من التهريب
وينوه العبيدي إلى أن هناك عمليات تهريب أخرى تجري نحو مناطق سيطرة النظام السوري أيضاً، وأن كل فصيل يتحكم بالمزارعين ضمن مناطق نفوذه، حيث يحصل كل فصيل عسكري على مبالغ كبيرة من عمليات تهريب القمح، لافتاً إلى أن "الحكومة المؤقتة" لم تقدم أي مساعدة لهم بل على العكس ساهمت بتراجع الزراعة بشكل عام.
ويذكر العبيدي، أن تكلفة زراعة الدونم الواحد من القمح تجاوزت 90 دولار أمريكي، موزعة على أجور الحراثة والبذار والأسمدة والمبيدات الحشرية وأجور العمال والحصادة وغيرها من التكاليف، وأن المزارع تحمل كل هذه التكاليف بينما كانت كميات الإنتاج قليلة خلال الموسم بسبب شح الأمطار ولاسيما خلال فترة تلقيح سنابل القمح في شهر نيسان/أبريل، مشيراً إلى أن قرار منع التصدير لغير "الحكومة المؤقتة" قضى على أمال وأحلام المزارع في بيع القمح بسعر يحقق له بعض الأرباح ويؤمن حاجاته، حيث أن تسعيرة القمح لدى "الحكومة المؤقتة" لم تسد تكاليف الزراعة وفي أحسن الأحوال لم يتجاوز ربح المزارع 30 دولار أمريكي عن كل دونم زراعي.
وتعتمد مناطق الشمال السوري على قطاع الزراعة لسد حاجة الأسواق من الخضار والفواكه، كما وتعتمد بشكل أساسي على القمح لسد حاجة الأفران والأسواق من مادة الطحين، وشهد القطاع الزراعي خلال السنوات القليلة الماضية تراجعاً كبيراً بسبب الصعوبات التي تواجه المزارعين من تكاليف الزراعة الباهظة وانخفاض معدل هطول الأمطار والعديد من العوامل الأخرى.
الجدير بالذكر أن سلطات الاحتلال التركي تهيمن على جميع القطاعات الاقتصادية ضمن مناطق نفوذها في الشمال السوري من الكهرباء والانترنت والزراعة وتجارة المواد الغذائية وغيرها، وتعمل عدة فصائل على تحصيل الثروات عبر طرق غير قانونية من تجارة المخدرات وتجارة البشر وتهريب المواد التجارية، إضافة لكسبها الأموال جراء السرقات والخطف والابتزاز ومصادرة الممتلكات بعلم ما تسمى "الحكومة المؤقتة" المدعومة من قبل سلطات الاحتلال التركي.
التعليقات