فارس الياس كتي - أستاذ جامعي / ايزدينا
الإيزيديون هم أبناء مكون عراقي أصيل وعريق، يمتد في جذوره التاريخية إلى حضارة بلاد ما بين النهرين (الميزوبوتاميا)، هؤلاء الناس المسالمين الذين طالما كتب عنهم المستشرقين في جولاتهم الميدانية، بأنهم أناس بسطاء يتسمون بالكرم والأمانة والبساطة وحب الخير والبراءة في التعامل مع الآخرين، غالبيتهم يقطنون قضاء شنكال/سنجار ومناطق سهل نينوى التابعتين إدارياً لمحافظة نينوى وكذلك بعض المناطق الأخرى التابعة لمحافظة دهوك في إقليم كردستان، ولا يقتصر تواجدهم في العراق فحسب بل ينتشر تواجدهم على عدة دول إقليمية كتركيا وسورية ودول آسيوية كروسيا وأرمينيا وجورجيا، كما يتواجد الإيزيديون في ألمانيا ومعظم الدول الأوربية وأمريكا وكندا، كجالية إيزيدية هاجرت إلى تلك الدول هرباً من الأنظمة القمعية في مناطق تواجدهم الأصلية في العراق وسورية وتركيا.
تعرض الإيزيديون على مر التاريخ إلى العشرات من حملات الإبادة الجماعية التي زعزعت مقومات تواجدهم، بسبب هويتهم الدينية، حتى آلت الظروف إلى أن يعاني الإيزيديون من خطر ضياع هويتهم الدينية، ولا سيما بعد حملة الإبادة الجماعية الأخيرة التي تعرضوا لها على يد ما يسمى بـ تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في قضاء شنكال/سنجار في الثالث من آب من عام 2014، حيث قام مقاتلو تلك المنظومة الإرهابية بمختلف انتماءاتهم ومن ضمنهم أبناء المناطق المجاورة لمناطق تواجد الإيزيديين بقتل واختطاف قرابة ستة آلاف شخص إيزيدي، لا يزال مصير قرابة ثلاثة آلاف منهم مجهولاً، كما قاموا بسبي النساء والمتاجرة بهم في أسواق الرق والعبيد، إضافة إلى تجنيد الأطفال في معسكرات التدريب لزرع الفكر الإرهابي في رؤوسهم وتلقينهم القرآن بالإكراه وإجبارهم على تغيير ديانتهم واعتناق العقيدة التي يؤمن بها فكر ما يسمى "بالدولة الإسلامية".
بعد تحرير مناطق الإيزيديين ومعظم المناطق الأخرى في العراق من تحت سيطرة تنظيم داعش، بدأت الحكومة في العراق بجولة زيارات إقليمية شملت الكثير من دول الجوار ودول المنطقة، لطرح فكرة أطلقها السيد حيدر العبادي - رئيس وزراء الحكومة العراقية، أسماها "رؤية العراق المستقبلية"، وتتضمن هذه الرؤية في مضمونها الكثير من المجالات التي تسعى العراق من خلالها إلى طرح رؤيتها لمستقبل العراق ومستقبل المنطقة بأسرها على أساس توطيد العلاقات بين الدول على مستوى الشعوب وليس الساسة، ومحاولة جعل المنطقة منصة لدعم السلم العالمي، وأخذ موقف الحياد وعدم الصف مع طرف ضد طرف آخر، وكذلك دعم الشباب من خلال توفير فرص العمل لهم وجلب الاستثمار وإعادة الإعمار والخ.
على مر الأعوام الثلاثة الماضية بدأت القضية الإيزيدية تأخذ طابعاً دولياً، فبعد أن تم تداولها في برلمان الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن في الأمم المتحدة، وتم الإقرار بها في برلمانات بعض الدول الأوروبية، وكذلك مطالبة المجتمع الدولي للمحكمة الدولية بلعب دور إيجابي في النظر بهذه القضية التي تعرضت لها هذه الأقلية الدينية.
وما كان على الأمم المتحدة إلا بمطالبة العراق بالسماح للجان خاصة بزيارة العراق للتحقيق في القضية وكذلك المصادقة على بعض المواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية التي تسهم في عمل محكمة خاصة أو تحويل القضية إلى محكمة الجنايات الدولية.
من جهة أخرى وبعد إقرار كل من البرلمان العراقي ومجلس محافظة نينوى بأن المناطق الإيزيدية في شنكال/سنجار هي مناطق منكوبة بنسبة تجاوزت الـ (80%)، وبعد أكثر من ثلاث سنوات، لا تزال تلك المناطق تعاني الأمرين، وسكانها نازحون في مخيمات النزوح يفتقرون إلى أبسط مقومات العيش الكريم.
على صعيد آخر ونتيجة التطورات العسكرية والانقلابات السياسية السريعة التي تشهدها المناطق الشمالية من العراق، ولاسيما المناطق التي يتمركز فيها الإيزيديين من تشنجات بين المركز والإقليم، تم خلق حالة من الفراغ الأمني في المنطقة مرة أخرى، الأمر الذي ساهم بشكل أو بآخر بعودة الكثير من عوائل مقاتلي تنظيم داعش أو من ساهم معهم من حواضنهم إلى المنطقة دون أن يتمكن الإيزيديين من تقديمهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل، الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً وخطراً جسيماً على الإيزيديين من جديد.
والهوية الإيزيدية الدينية التي تعاني من مخاطر الضياع بسبب هول ما تعرضوا له الإيزيديون، تعاني التشتت من جوانب أخرى أيضاً، فمن لم يقتل أو لم يخطف أو لم يرحل ليعيش نازحاً في ظل ظروف معيشية قاسية، هاجر العراق، وبذلك باتت العائلة الإيزيدية تعاني التشتت والضياع أيضاً على المستوى الاجتماعي والعائلي وليس فقط في ضياع هويته الدينية.
لذلك ومن منظور إنساني وكواجب أخلاقي ووطني، على الحكومة العراقية وعلى رأسها شخص السيد حيدر العبادي أن يقوم ومن مبدأ المواطنة المتساوية وضمان حقوق جميع المكونات والحفاظ على تنوع العراق وفسيفساءه الجميل، ولرفع الظلم عن أبناء شعبه المستضعف من هذا المكون، أن يعطي أهمية خاصة وحيزاً أكبر للقضية الإيزيدية التي تُكاد أن تُنسى ضمن "رؤية العراق المستقبلية" بما يتناسب والظلم الذي وقع عليهم، وأن لا يتم النظر إلى مرحلة ما بعد "داعش" على أنها مرحلة بناء واستثمار وتقدم فقط، دون التوقف عند مرحلة مهمة ألا وهي مرحلة إحقاق الحق "العدالة" ومحاسبة المتورطين، ورد كرامة المواطن وتعويضه، والمساهمة في تدويل القضية لتأخذ مسارها الصحيح من أجل ضمان العيش الكريم وتوفير مستقبل آمن للإيزيديين، كي يتم الحفاظ على وجودهم وهويتهم الدينية، والإسهام في زرع الدفء داخل العائلة الإيزيدية المشتتة، البسيطة المسالمة البريئة، كما أطلق عليها الرحالة والمستشرقين.
مقالات الرأي المنشورة هنا تعبر تحديدًا عن وجهة نظر أصحابها، ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع ايزدينا
الإيزيديون هم أبناء مكون عراقي أصيل وعريق، يمتد في جذوره التاريخية إلى حضارة بلاد ما بين النهرين (الميزوبوتاميا)، هؤلاء الناس المسالمين الذين طالما كتب عنهم المستشرقين في جولاتهم الميدانية، بأنهم أناس بسطاء يتسمون بالكرم والأمانة والبساطة وحب الخير والبراءة في التعامل مع الآخرين، غالبيتهم يقطنون قضاء شنكال/سنجار ومناطق سهل نينوى التابعتين إدارياً لمحافظة نينوى وكذلك بعض المناطق الأخرى التابعة لمحافظة دهوك في إقليم كردستان، ولا يقتصر تواجدهم في العراق فحسب بل ينتشر تواجدهم على عدة دول إقليمية كتركيا وسورية ودول آسيوية كروسيا وأرمينيا وجورجيا، كما يتواجد الإيزيديون في ألمانيا ومعظم الدول الأوربية وأمريكا وكندا، كجالية إيزيدية هاجرت إلى تلك الدول هرباً من الأنظمة القمعية في مناطق تواجدهم الأصلية في العراق وسورية وتركيا.
تعرض الإيزيديون على مر التاريخ إلى العشرات من حملات الإبادة الجماعية التي زعزعت مقومات تواجدهم، بسبب هويتهم الدينية، حتى آلت الظروف إلى أن يعاني الإيزيديون من خطر ضياع هويتهم الدينية، ولا سيما بعد حملة الإبادة الجماعية الأخيرة التي تعرضوا لها على يد ما يسمى بـ تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في قضاء شنكال/سنجار في الثالث من آب من عام 2014، حيث قام مقاتلو تلك المنظومة الإرهابية بمختلف انتماءاتهم ومن ضمنهم أبناء المناطق المجاورة لمناطق تواجد الإيزيديين بقتل واختطاف قرابة ستة آلاف شخص إيزيدي، لا يزال مصير قرابة ثلاثة آلاف منهم مجهولاً، كما قاموا بسبي النساء والمتاجرة بهم في أسواق الرق والعبيد، إضافة إلى تجنيد الأطفال في معسكرات التدريب لزرع الفكر الإرهابي في رؤوسهم وتلقينهم القرآن بالإكراه وإجبارهم على تغيير ديانتهم واعتناق العقيدة التي يؤمن بها فكر ما يسمى "بالدولة الإسلامية".
بعد تحرير مناطق الإيزيديين ومعظم المناطق الأخرى في العراق من تحت سيطرة تنظيم داعش، بدأت الحكومة في العراق بجولة زيارات إقليمية شملت الكثير من دول الجوار ودول المنطقة، لطرح فكرة أطلقها السيد حيدر العبادي - رئيس وزراء الحكومة العراقية، أسماها "رؤية العراق المستقبلية"، وتتضمن هذه الرؤية في مضمونها الكثير من المجالات التي تسعى العراق من خلالها إلى طرح رؤيتها لمستقبل العراق ومستقبل المنطقة بأسرها على أساس توطيد العلاقات بين الدول على مستوى الشعوب وليس الساسة، ومحاولة جعل المنطقة منصة لدعم السلم العالمي، وأخذ موقف الحياد وعدم الصف مع طرف ضد طرف آخر، وكذلك دعم الشباب من خلال توفير فرص العمل لهم وجلب الاستثمار وإعادة الإعمار والخ.
على مر الأعوام الثلاثة الماضية بدأت القضية الإيزيدية تأخذ طابعاً دولياً، فبعد أن تم تداولها في برلمان الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن في الأمم المتحدة، وتم الإقرار بها في برلمانات بعض الدول الأوروبية، وكذلك مطالبة المجتمع الدولي للمحكمة الدولية بلعب دور إيجابي في النظر بهذه القضية التي تعرضت لها هذه الأقلية الدينية.
وما كان على الأمم المتحدة إلا بمطالبة العراق بالسماح للجان خاصة بزيارة العراق للتحقيق في القضية وكذلك المصادقة على بعض المواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية التي تسهم في عمل محكمة خاصة أو تحويل القضية إلى محكمة الجنايات الدولية.
من جهة أخرى وبعد إقرار كل من البرلمان العراقي ومجلس محافظة نينوى بأن المناطق الإيزيدية في شنكال/سنجار هي مناطق منكوبة بنسبة تجاوزت الـ (80%)، وبعد أكثر من ثلاث سنوات، لا تزال تلك المناطق تعاني الأمرين، وسكانها نازحون في مخيمات النزوح يفتقرون إلى أبسط مقومات العيش الكريم.
على صعيد آخر ونتيجة التطورات العسكرية والانقلابات السياسية السريعة التي تشهدها المناطق الشمالية من العراق، ولاسيما المناطق التي يتمركز فيها الإيزيديين من تشنجات بين المركز والإقليم، تم خلق حالة من الفراغ الأمني في المنطقة مرة أخرى، الأمر الذي ساهم بشكل أو بآخر بعودة الكثير من عوائل مقاتلي تنظيم داعش أو من ساهم معهم من حواضنهم إلى المنطقة دون أن يتمكن الإيزيديين من تقديمهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل، الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً وخطراً جسيماً على الإيزيديين من جديد.
والهوية الإيزيدية الدينية التي تعاني من مخاطر الضياع بسبب هول ما تعرضوا له الإيزيديون، تعاني التشتت من جوانب أخرى أيضاً، فمن لم يقتل أو لم يخطف أو لم يرحل ليعيش نازحاً في ظل ظروف معيشية قاسية، هاجر العراق، وبذلك باتت العائلة الإيزيدية تعاني التشتت والضياع أيضاً على المستوى الاجتماعي والعائلي وليس فقط في ضياع هويته الدينية.
لذلك ومن منظور إنساني وكواجب أخلاقي ووطني، على الحكومة العراقية وعلى رأسها شخص السيد حيدر العبادي أن يقوم ومن مبدأ المواطنة المتساوية وضمان حقوق جميع المكونات والحفاظ على تنوع العراق وفسيفساءه الجميل، ولرفع الظلم عن أبناء شعبه المستضعف من هذا المكون، أن يعطي أهمية خاصة وحيزاً أكبر للقضية الإيزيدية التي تُكاد أن تُنسى ضمن "رؤية العراق المستقبلية" بما يتناسب والظلم الذي وقع عليهم، وأن لا يتم النظر إلى مرحلة ما بعد "داعش" على أنها مرحلة بناء واستثمار وتقدم فقط، دون التوقف عند مرحلة مهمة ألا وهي مرحلة إحقاق الحق "العدالة" ومحاسبة المتورطين، ورد كرامة المواطن وتعويضه، والمساهمة في تدويل القضية لتأخذ مسارها الصحيح من أجل ضمان العيش الكريم وتوفير مستقبل آمن للإيزيديين، كي يتم الحفاظ على وجودهم وهويتهم الدينية، والإسهام في زرع الدفء داخل العائلة الإيزيدية المشتتة، البسيطة المسالمة البريئة، كما أطلق عليها الرحالة والمستشرقين.
مقالات الرأي المنشورة هنا تعبر تحديدًا عن وجهة نظر أصحابها، ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع ايزدينا
التعليقات