شيرزاد صالح / ايزدينا
في أغلبية الظروف يتكون لدى الإنسان الشعور بالخوف والأذية، فيحاول أن يجد لنفسه مخارج آمنة وطرق صحيحة لينتقل من مرحلة ما إلى أخرى، لذلك عليه أن ينظر إلى واقعه وماضيه ليكمل بهما حاضره وليخطط لمستقبله، فأما أن ينسى الماضي مهما كان ويبدأ بما هو جديد، أو يضع كامل أوراقه أمامه ليدرسهم ويكشف نقاط ضعفه وقوته ليستطيع السير إلى الأمام مستفيدًا من أخطائه وثغراته التي لم ينتبه لها وأوصلته إلى تلك المرحلة البائسة واليابسة من الحياة ومقوماتها، فمن لا يتعلم من أخطائه وماضيه سيبقى الأضعف دائمًا.
الحياة لا تعترف بالضعيف ولا تهتم لضحايا الشعوب والإنسانية، فلو اهتم أحد بذلك لما استمرت الحروب وتشكلت دول على حساب شعوب كاملة سحقت ودمرت ولم يبقى منهم أثر في الوجود، وهنا على الإنسان أن يعلم أنَّ الحياة البشرية مشابهة لحياة الغابة، من لا يقتات قوته بنفسه وعقله سيموت جوعًا، والبقاء للأقوى.
سأدخل إلى فحوى وزبدة الموضوع الذي يعنون بـ ماذا قدمت السياسة العاطفية للإيزيديين.
الإيزيديون يعتبرون الآن من أكثر الأقليات الدينية والعرقية تعرضًا للظلم والاضطهاد على مستوى العالم، ولا ينكر أحدًا أن ما تعرض له الإيزيديون في القرن الحادي والعشرون لم يتعرض له أي شعب من شعوب العالم، فلم يتوقع العقل البشري أن يتم إبادة شعوب كاملة والاتجار بهم في أسواق الرق والنخاسة الإسلامية وبيع الإنسان كغنائم حرب؛ نعم حدث ذلك على مرأى ومسمع العالم أجمع، ولم تتحرك أية قوة عسكرية أو دولية لمنع الإبادة، بغض النظر عن بعض الحالات الفردية والإنسانية.
قد لا يعلم العالم جميعه أن هذه ليست المرة الأولى أو الإبادة الأولى من نوعها التي يتعرض لها الإيزيديون، بل أنهم تعرضوا إلى الآلاف من الغزوات والفتوحات العسكرية على مر الزمان، ويذكر أجدادنا منهم 72 إبادة، والآن يعتبر الرقم 74 هو رقمًا معدودًا ومعروفًا لسلسلة الإبادات، سأتطرق هنا إلى الإبادتين الأخيرتين في أقل من عقد من الزمن.
إبادة ناحية القحطانية/ تل عزير ومجمع الجزيرة/ سيبا شيخدر في 14-8-2007، وحدث في هذا التاريخ حدث كبير جدًا يرتقي إلى مستوى أن يكون إبادة جماعية لجماعة بشرية تقطن وتسكن رقعة معينة من الأرض، حيث دخلت شاحنات ملغمة ومجهزة بأطنان من المواد المتفجرة التي تمسح أي بقعة قد تنفجر عليها، إلى ناحية تل عزير/ القحطانية، وبالذات إلى أماكن تجمع الناس في الأسواق العصرية في ساعات العصر والغروب، وتفجرت هناك ما أدت إلى وقوع كوارث إنسانية وبشرية من قتل المئات من الناس وهدم المئات من الدور والمحلات التجارية، حيث وصلت حصيلة الشهداء إلى 319 شهيدًا وجرح المئات، ليكون عدد الضحايا أكثر من 1000 إنسان إيزيدي بريء، لا لذنب اقترفوه سوى أنهم إيزيديون، وبالتوقيت ذاته انفجرت شاحنات في سيبا شيخدر وخلفت أيضًا شهداء وجرحى ودمار.
كل هذا حدث بوجود الآلاف من القوات الكردية من البيشمركة والأسايش مع الشرطة المحلية والجيش العراقي؛ لم ينتبه أحدًا منهم ولم يهتم بدخول وتجهيز تلك الخطة التي أدت إلى محو عوائل وإبادتها بالكامل.
العاطفة السياسية الإيزيدية، وضعف بصرهم السياسي، وحبهم للمال، جعلتهم ينسون ما حدث دون التحرك باتجاه حقهم وحق ضحاياهم، وإلى اليوم لم يتم القبض على مجرم واحد من مرتكبي تلك الإبادة، واستمر الحال بغناء نفس الموال للأحزاب السياسية الكردية والتصفيق لهم والجري وراء أصغر مسؤول مكلف من دهوك وأربيل ليكون الآمر الناهي في مناطق الإيزيديين، حتى مرت سنوات ولم يتم تعويض الضحايا ولا حتى اعتبارهم شهداء كما جميع شهداء الإرهاب، وفي تلك الإبادة كان هناك أيضًا مفقودين ومجهولي المصير لكن تم طي صفحاتهم ونسيانهم.
العشائر الإيزيدية وكبار رجال دينهم لم يتوجهوا يومًا إلى أربيل وبغداد حاملين مأساة ومطالب شعبهم إلى تلك الحكومات، ليس هذا فقط، بل اكتفوا أن يكونوا دائمًا العدد ذات القيمة المجهولة، عواطفهم وعدم إدراكهم بالواقع السياسي والخدمي أسكنهم في قاع الأحزاب السياسية لتكن لهم أصوات حية في أيام الانتخابات وأفواه مسدودة ومدفوعة الثمن أمام الحقوق والمطالب.
الماضي القريب الذي لم يتعلم منه الإيزيديون شيئًا أوصلهم إلى إبادة عام 2014 التي حدثت بنفس السيناريو مع وجود للأحزاب السياسية الكردية وجيشهم، لكن هذه المرة كان الهدف أقوى وأكبر، المهاجم كان شرسًا جدًا ولديه قوة تجعله يسقط مدن بأكملها بالتعاون مع أهالي نفس المناطق الخلايا النائمة التي تحمل نفس فكر داعش، وتنتظر الفرصة لتنهض وتهاجم من هم أضعف منهم، ويختلفون معهم في الدين والعقيدة.
فرَّت القوات الكردية إلى مناطقهم ليكون الإيزيديون بين نارين؛ نار القتل والذبح والدفاع عن النفس وهم ليسوا بتلك الجاهزية العسكرية والذخيرة الكافية، ونار الهرب والفرار إلى المجهول حيث قد يقطع طريقهم داعش ويتم تخييرهم بين القتل أو الإسلام، وهذا ما حدث ليتم قتل المئات بعد رفضهم دخول الإسلام، وأخذ الآلاف من النساء والأطفال للاستعباد الجنسي والاتجار بهم كدروع بشرية وغنائم حرب؛ هذه الإبادة كانت استمرارا لما قبلها.
ما تحتاجه الإيزيدية في مرحلة ما بعد الإبادات أي مرحلة كن أو لا تكن، أولًا الالتفاف والنظر إلى ماضيهم المرير وأخذ العبر من تجاربهم مع جيرانهم ومحيطهم الخارجي الذي قد يشكل دائمًا وأبدًا خطر حدوث إبادات وقتل جماعي، وثانيًا لملمة جراحهم وربط أواصرهم مع بعضهم بعض، فهم ليسوا بحاجة إلى العديد من الأحزاب السياسية والممثلين المتمثلين عن أحزابهم وسياسياتهم بقدر ما هم بحاجة إلى بعضهم بعض وتوحيد صفهم وآرائهم السياسية للخروج برأي واحد وقوة واحدة وصوت واحد لا ينادي إلا بالإيزيدياتية والدفاع عن قضية شعب أنهكته الإبادات، وثالثًا الحفاظ على جغرافية أراضي إيزيدخان وعدم التنازل عنها، فالتلاعب الديموغرافي الذي حدث منذ عشرات السنين أفقد الإيزيديين أغلب أراضيهم التي استعربت واستكردت.
الوجود يعني هناك شعب وأرض يتمسكون به ويدافعون عنه، وضياع الأرض معناه انصهار وضياع الشعب، وضياع التاريخ والحضارة، وكرامة الشعوب تعني أنهم يعيشون على أرضهم وأملاكهم ويتكلمون بلغتهم الأم ويديرون شؤونهم بكامل حريتهم، وعدا ذلك سيكون الإنسان لاجئًا يبحث عن بديل لوطنه وأرضه ليعيش بكرامة وسلام، وهذا لا يحدث لشعوب كاملة أن تهاجر وتقطن بلاد أخرى للأبد.
مقالات الرأي المنشورة هنا تعبر تحديدًا عن وجهة نظر أصحابها، ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع ايزدينا
في أغلبية الظروف يتكون لدى الإنسان الشعور بالخوف والأذية، فيحاول أن يجد لنفسه مخارج آمنة وطرق صحيحة لينتقل من مرحلة ما إلى أخرى، لذلك عليه أن ينظر إلى واقعه وماضيه ليكمل بهما حاضره وليخطط لمستقبله، فأما أن ينسى الماضي مهما كان ويبدأ بما هو جديد، أو يضع كامل أوراقه أمامه ليدرسهم ويكشف نقاط ضعفه وقوته ليستطيع السير إلى الأمام مستفيدًا من أخطائه وثغراته التي لم ينتبه لها وأوصلته إلى تلك المرحلة البائسة واليابسة من الحياة ومقوماتها، فمن لا يتعلم من أخطائه وماضيه سيبقى الأضعف دائمًا.
الحياة لا تعترف بالضعيف ولا تهتم لضحايا الشعوب والإنسانية، فلو اهتم أحد بذلك لما استمرت الحروب وتشكلت دول على حساب شعوب كاملة سحقت ودمرت ولم يبقى منهم أثر في الوجود، وهنا على الإنسان أن يعلم أنَّ الحياة البشرية مشابهة لحياة الغابة، من لا يقتات قوته بنفسه وعقله سيموت جوعًا، والبقاء للأقوى.
سأدخل إلى فحوى وزبدة الموضوع الذي يعنون بـ ماذا قدمت السياسة العاطفية للإيزيديين.
الإيزيديون يعتبرون الآن من أكثر الأقليات الدينية والعرقية تعرضًا للظلم والاضطهاد على مستوى العالم، ولا ينكر أحدًا أن ما تعرض له الإيزيديون في القرن الحادي والعشرون لم يتعرض له أي شعب من شعوب العالم، فلم يتوقع العقل البشري أن يتم إبادة شعوب كاملة والاتجار بهم في أسواق الرق والنخاسة الإسلامية وبيع الإنسان كغنائم حرب؛ نعم حدث ذلك على مرأى ومسمع العالم أجمع، ولم تتحرك أية قوة عسكرية أو دولية لمنع الإبادة، بغض النظر عن بعض الحالات الفردية والإنسانية.
قد لا يعلم العالم جميعه أن هذه ليست المرة الأولى أو الإبادة الأولى من نوعها التي يتعرض لها الإيزيديون، بل أنهم تعرضوا إلى الآلاف من الغزوات والفتوحات العسكرية على مر الزمان، ويذكر أجدادنا منهم 72 إبادة، والآن يعتبر الرقم 74 هو رقمًا معدودًا ومعروفًا لسلسلة الإبادات، سأتطرق هنا إلى الإبادتين الأخيرتين في أقل من عقد من الزمن.
إبادة ناحية القحطانية/ تل عزير ومجمع الجزيرة/ سيبا شيخدر في 14-8-2007، وحدث في هذا التاريخ حدث كبير جدًا يرتقي إلى مستوى أن يكون إبادة جماعية لجماعة بشرية تقطن وتسكن رقعة معينة من الأرض، حيث دخلت شاحنات ملغمة ومجهزة بأطنان من المواد المتفجرة التي تمسح أي بقعة قد تنفجر عليها، إلى ناحية تل عزير/ القحطانية، وبالذات إلى أماكن تجمع الناس في الأسواق العصرية في ساعات العصر والغروب، وتفجرت هناك ما أدت إلى وقوع كوارث إنسانية وبشرية من قتل المئات من الناس وهدم المئات من الدور والمحلات التجارية، حيث وصلت حصيلة الشهداء إلى 319 شهيدًا وجرح المئات، ليكون عدد الضحايا أكثر من 1000 إنسان إيزيدي بريء، لا لذنب اقترفوه سوى أنهم إيزيديون، وبالتوقيت ذاته انفجرت شاحنات في سيبا شيخدر وخلفت أيضًا شهداء وجرحى ودمار.
كل هذا حدث بوجود الآلاف من القوات الكردية من البيشمركة والأسايش مع الشرطة المحلية والجيش العراقي؛ لم ينتبه أحدًا منهم ولم يهتم بدخول وتجهيز تلك الخطة التي أدت إلى محو عوائل وإبادتها بالكامل.
العاطفة السياسية الإيزيدية، وضعف بصرهم السياسي، وحبهم للمال، جعلتهم ينسون ما حدث دون التحرك باتجاه حقهم وحق ضحاياهم، وإلى اليوم لم يتم القبض على مجرم واحد من مرتكبي تلك الإبادة، واستمر الحال بغناء نفس الموال للأحزاب السياسية الكردية والتصفيق لهم والجري وراء أصغر مسؤول مكلف من دهوك وأربيل ليكون الآمر الناهي في مناطق الإيزيديين، حتى مرت سنوات ولم يتم تعويض الضحايا ولا حتى اعتبارهم شهداء كما جميع شهداء الإرهاب، وفي تلك الإبادة كان هناك أيضًا مفقودين ومجهولي المصير لكن تم طي صفحاتهم ونسيانهم.
العشائر الإيزيدية وكبار رجال دينهم لم يتوجهوا يومًا إلى أربيل وبغداد حاملين مأساة ومطالب شعبهم إلى تلك الحكومات، ليس هذا فقط، بل اكتفوا أن يكونوا دائمًا العدد ذات القيمة المجهولة، عواطفهم وعدم إدراكهم بالواقع السياسي والخدمي أسكنهم في قاع الأحزاب السياسية لتكن لهم أصوات حية في أيام الانتخابات وأفواه مسدودة ومدفوعة الثمن أمام الحقوق والمطالب.
الماضي القريب الذي لم يتعلم منه الإيزيديون شيئًا أوصلهم إلى إبادة عام 2014 التي حدثت بنفس السيناريو مع وجود للأحزاب السياسية الكردية وجيشهم، لكن هذه المرة كان الهدف أقوى وأكبر، المهاجم كان شرسًا جدًا ولديه قوة تجعله يسقط مدن بأكملها بالتعاون مع أهالي نفس المناطق الخلايا النائمة التي تحمل نفس فكر داعش، وتنتظر الفرصة لتنهض وتهاجم من هم أضعف منهم، ويختلفون معهم في الدين والعقيدة.
فرَّت القوات الكردية إلى مناطقهم ليكون الإيزيديون بين نارين؛ نار القتل والذبح والدفاع عن النفس وهم ليسوا بتلك الجاهزية العسكرية والذخيرة الكافية، ونار الهرب والفرار إلى المجهول حيث قد يقطع طريقهم داعش ويتم تخييرهم بين القتل أو الإسلام، وهذا ما حدث ليتم قتل المئات بعد رفضهم دخول الإسلام، وأخذ الآلاف من النساء والأطفال للاستعباد الجنسي والاتجار بهم كدروع بشرية وغنائم حرب؛ هذه الإبادة كانت استمرارا لما قبلها.
ما تحتاجه الإيزيدية في مرحلة ما بعد الإبادات أي مرحلة كن أو لا تكن، أولًا الالتفاف والنظر إلى ماضيهم المرير وأخذ العبر من تجاربهم مع جيرانهم ومحيطهم الخارجي الذي قد يشكل دائمًا وأبدًا خطر حدوث إبادات وقتل جماعي، وثانيًا لملمة جراحهم وربط أواصرهم مع بعضهم بعض، فهم ليسوا بحاجة إلى العديد من الأحزاب السياسية والممثلين المتمثلين عن أحزابهم وسياسياتهم بقدر ما هم بحاجة إلى بعضهم بعض وتوحيد صفهم وآرائهم السياسية للخروج برأي واحد وقوة واحدة وصوت واحد لا ينادي إلا بالإيزيدياتية والدفاع عن قضية شعب أنهكته الإبادات، وثالثًا الحفاظ على جغرافية أراضي إيزيدخان وعدم التنازل عنها، فالتلاعب الديموغرافي الذي حدث منذ عشرات السنين أفقد الإيزيديين أغلب أراضيهم التي استعربت واستكردت.
الوجود يعني هناك شعب وأرض يتمسكون به ويدافعون عنه، وضياع الأرض معناه انصهار وضياع الشعب، وضياع التاريخ والحضارة، وكرامة الشعوب تعني أنهم يعيشون على أرضهم وأملاكهم ويتكلمون بلغتهم الأم ويديرون شؤونهم بكامل حريتهم، وعدا ذلك سيكون الإنسان لاجئًا يبحث عن بديل لوطنه وأرضه ليعيش بكرامة وسلام، وهذا لا يحدث لشعوب كاملة أن تهاجر وتقطن بلاد أخرى للأبد.
مقالات الرأي المنشورة هنا تعبر تحديدًا عن وجهة نظر أصحابها، ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع ايزدينا
التعليقات