ibrahimsemo@hotmail.de
تعتمد دولة الاحتلال التركي، سياسة ممنهجة للإبادة والاضطهاد والتمييز في المعاملة، واستهداف المكونات السورية، التي لم تنزح بعد من مدن عفرين وكري سبي/ تل أبيض وسري كانيه/ رأس العين المحتلة، وضرب لحمتها الوطنية، وزرع الفتنة والبغضاء والتنافر بين الفسيفساء الاجتماعي الذي لم يعد منسجماً، وتسلِّطُ في سبيل تلك المآرب، قوى ومليشيات سورية سلفية متطرفة، كان أغلبها فيما مضى داعشيًا، أو محسوبًا على النهج الداعشي، بغية اقتراف جرائم ضد الإنسانية، وجرائم التفرقة العنصرية، وجرائم إبادة جنس بشري على أسس عرقية ودينية وفكرية.
ويتعرض المدنيون الكرد بسبب اختلاف قوميتهم، كما يوضح مراقبون في "مركز عدل لحقوق الإنسان"، و"الهيئة القانونية الكردية"، ومنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، لأبشع أنواع الانتهاكات على يد فصائل "لواء السلطان مراد"، و"فرقة الحمزات"، و"فيلق الشام"، و"حركة نور الدين الزنكي"، حيث يتم قتل المدنيين الكرد والتنكيل بهم واضطهادهم، إضافة إلى السطو المسلح على منازلهم وسرقة ممتلكاتهم، ونهب أموالهم وأراضيهم الزراعية، وتوطين نازحي إدلب وريف دمشق في عفرين وريفها، بهدف إفراغ قراهم من سكانها الأصليين، وصولًا إلى إحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة.
كما يتحدث المراقبون عن بطش إبادي، وقتل وأعمال انتقامية تقوم بها ميليشيات "لواء السلطان مراد" و"فرقة الحمزات"، تصل إلى مستوى التطهير العرقي بحق المدنيين الكرد.
ووثقت تلك المؤسسات الحقوقية، في هذا المنحى، أن الآلة الحربية التركية، رشقت في الأيام الأولى من مباشرة الاحتلال، المدنيين في سري كانيه/ رأس العين بـ "الفوسفور الأبيض"، ودللت على تلك الواقعة بالطفل الكردي "محمد حميد" وأكثر من ثلاثين حالة أخرى، موثقة بمعرفة خبراء دوليين، ناهيك عن إطلاق العنان لـ "جيش الإسلام"، و"أحرار الشرقية "، و"الفرقة 20"، و"الشرطة العسكرية" لممارسة القتل والاعتقال والتعذيب غير الشرعيين، والخطف لغرض الابتزاز المالي، وتفخيخ القرى والمنازل الكردية، أو حرقها بعد سرقة محتوياتها، ونهب الممتلكات ومصادرة المواشي والغلال المخزنة، في سعي إلى صد عودة أصحابها، كما أشار حقوقيون إلى قطع الماء والكهرباء عن السكان، والاستيلاء على المنازل والمحال التجارية، التي يملكها أكراد وأرمن وإيزيديون وسريان في سري كانيه/ رأس العين وكري سبي/ تل أبيض.
وأوردت "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" أن مسلحين علّقوا على أبوابِ تلك البيوت؛ المستولى عليها في سري كانيه/ رأس العين، قرارات "حجز" تعسفية، ونشرت المنظمة على موقعها الرسمي، صوراً تظهر بيوتاً عُلِّم عليها بخط عريض؛ "سكن عائلي"، للتدليل على أن مقاتلي تلك المليشيات، استقدموا عائلاتهم للسكن فيها.
وأطلقت، في إطار "جرائم الإبادة الجماعية" المتكررة يوميًا، أكثر من90 منظمة حقوقية وإنسانية سورية بتاريخ 30 نيسان/ إبريل 2020 "بيان إدانة واستنكار للتفجير الإرهابي" الذي أودى يوم 28 نيسان/ إبريل 2020 بحياة 50 مدنيًا وإصابة أكثر من 60 آخرين في مدينة عفرين.
وتُغرِق السلطات التركية، وفصائلها السلفية المسعورة، بصورة متواصلة، وفق مؤسسة "ايزدينا" الإعلامية، في تفريغ شحنات نقمتها المتطرفة، على الإيزيديين العزل بخاصة في عفرين، بطرائق إجرامية مهولة، فتكفرهم كي تستمر في إبادتهم، وتخصهم بفظائع القتل والاختطاف، وانتهاك حقوق النساء عبر احتجازهن تعسفيا واغتصابهن، والاستيلاء على الأموال والأملاك والمساحات الواسعة من أراضيهم الزراعية أو المشجرة في سري كانيه/ رأس العين وعفرين، وتملّك دورهم السكنية، والإساءة إلى المعتقدات والخصوصية، عبر منعهم من ممارسة طقوسهم وشعائرهم وأدعيتهم الخاصة، وتقوم بتفجير معابدهم ومزاراتهم الدينية، وإتلاف نياشينهم والمجسمّات الرمزية المقدسة، وتقوم ببناء جوامع في قراهم الإيزيدية، وتفرض التعبّد القهري بالإسلام، وتلزم أطفالهم ويافعيهم وطلبتهم على تعلم ودراسة الشريعة الإسلامية، في مدارس ومعاهد شرعية، سعيًا لغسل أدمغتهم.
كما تقوم تلك السلطات بالتجنّي على الإيزيديين، المغلوب على أمرهم؛ إما بالردة أو بتهم جنائية أخرى، لإقامة الحدود عليهم، ومعاقبتهم أمام محاكم سلفية متشددة، بعقوبات بدائية ذات وقع داعشي، تتراوح بين الإعدام، وقطع اليد والرجم والجلد.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن "اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية"، أوضحت في تقريرها السنوي، الصادر في 28 نيسان/ إبريل 2020 (أن أعداد الإيزيديّين في سوريا في تناقص، بسبب استهدافهم بالإعدامات الجماعية، وأنّ المنظّمات الحقوقية، وثّقت قيام الجماعات المسلّحة المدعومة من تركيا، بتدمير المواقع الدينيّة، وإرغام الإيزيديّين في منطقة عفرين، على اعتناق الإسلام).
والجدير بالذكر أن "مؤسسة ايزدينا" أثارت قبل صدور "التقرير الأمريكي" بأيام قليلة، أن الإيزيديين في قرية "باصوفان"، التابعة لعفرين، أُكْرِهوا بترهيب من فصائل سلفية متطرفة، على التخلي عن معتقداتهم، واعتناق الإسلام، وأن مسلحين أشرفوا على عمليات هدم "مزار باصوفان"، أول أيام رمضان؛ بواسطة جرّافة "تركس"، لغايات تكفيرية.
ولا تنحصر ملاحقة سلطات الاحتلال التركي الإبادية، وزبانيتها للمدنيين السوريين، عند المختلفين وإياهم أثنيًا ودينيًا وحسب بل تستهدف بحسب "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، كذلك العربي/المسلم، غير المتوافق مع نهجها الراديكالي، وسياساتها التميزية، حيث تحدثت المنظمة عن اعتقالات عشوائية واسعة، طالت حتى النساء من مدنيي "المكون العربي"، في منطقتي كري سبي/ تل أبيض وسلوك، وفضحت تفنن جلادي "الجبهة الشامية " و"تجمع أحرار الشرقية"، في إتباع أساليب تعذيب وحشية أثناء التحقيق، تراوحت لدى "الجبهة الشامية"، بين الإيهام بالغرق، و"الدولاب"، وترافقت كل تلك الأساليب بضرب المعتقل ساعات طوال بأدوات صلبة أو حادة أو سوط حسب الحال، لانتزاع اعترافات في أفعال غير مقترفة، وإحالتهم إلى ما تسمى بـ "المحكمة العسكرية".
وتحدث في الإطار ذاته مدير "المرصد السوري لحقوق الإنسان"؛ رامي عبد الرحمن لقناة "العربية"، عن اعتقال شيخ عشيرة بارز في كري سبي/ تل أبيض، لمعارضته لأي "تغيير ديمغرافي" في منطقته، التي ابتليت باستقدام نازحي الغوطة الشرقية إليها.
المراقبون لا يضعون الأفعال الجرمية، التي تقترفها سلطات الاحتلال التركي، وقوى المعارضة السورية المتشددة، التي تشغّلها في عفرين وكري سبي/ تل أبيض وسري كانيه/ رأس العين، في إطار جرائم الإبادة وحسب، بل يشدّدون على أنها جرائم "تهدد السلم والأمن الدوليين"، ويرون لذلك أن "الحماية الدولية" للسكان، وكذلك ملاحقة الجناة المحتلين، أضحت مسائل مُلِّحة تستوجبها قواعد القانون الدولي، وتفترضها القيم الإنسانية العليا.
التعليقات