فادي الأسمر- إدلب/ ايزدينا
تستمر حالة التضييق على المدنيين من قبل "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) من جهة، والفصائل الموالية لقوات الاحتلال التركي من جهة ثانية، أثناء مرورهم من المعابر الحدودية التي تفصل منطقتي السيطرة في الشمال السوري، ورغم هذا التضييق على السكان من الطرفين إلا أن هناك علاقات جيدة بين الطرفين وتنسيق دائم بينهما.
ويفصل مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) عن مناطق سيطرة الفصائل الموالية لقوات الاحتلال التركي معبرين رئيسيين هما "دير بلوط" و"الغزاوية".
يقول نيبال العبد الله ( وهو اسم مستعار لأحد سكان مدينة إدلب) لموقع ايزدينا، إن عناصر المعابر من الطرفين يمارسون التضييق على السكان، حيث يمنع عناصر "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) على المدنيين القادمين من مناطق سيطرة الفصائل الموالية لقوات الاحتلال التركي، تعبئة خزانات وقود لسيارتهم وتسمح لهم بكمية 20 ليتر فقط لكل سيارة بهدف إجبار المدنيين على شراء المحروقات من محطات الوقود الخاصة بشركة "وتد للبترول" التابعة للهيئة.
ويضيف العبدالله أن عناصر معابر الهيئة يمنعون دخول العديد من أنواع المواد الغذائية والخضار بهدف زيادة مبيعات التجار الموالين لها ضمن مناطق سيطرتها.
خلاف شكلي
ويشير العبدالله أن حالة التضييق على حركة المدنيين من كلا الطرفين ترهق السكان وتثير حالة من الاستياء لديهم، بينما تؤدي هذه الحالة إلى التقارب بين طرفي السيطرة على المعابر ويتم توطيد العلاقات بينهم، رغم أنهم يظهرون العداء لبعضهما، وبالتالي فإن الخلاف بين الطرفين هو خلاف شكلي يزيد من معاناة السكان.
ويذكر العبدالله أن هناك الكثير من التفاصيل التي ترهق المدنيين في الشمال السوري، جراء إظهار الطرفين العداء لبعضهما وأن لكل منهما مناطق نفوذه الخاصة وطريقة حكم وإدارة مختلفة، ومن بينها موضوع التعليم ووضع العراقيل أمام الطلاب في حال أراد استكمال مراحل تعليمه في منطقة نفوذ "هيئة تحرير الشام" ( جبهة النصرة سابقاً) إذا كان قد درس ضمن مناطق سيطرة الفصائل الموالية لقوات الاحتلال التركي.
ويتابع العبدالله أنه يشترط على الطالب تقديم امتحانات جديدة وإعادة العام الأخير من الدراسة كاملاً مهما كانت المرحلة الدراسية التي وصل إليها الطالب أو مهما كان وضع الطالب.
ويضيف العبدالله أن موضوع تسجيل السيارات مشكلة أخرى لسكان الشمال السوري، حيث أن لكل منطقة مؤسسة خاصة تشرف على تسجيل السيارات، ما يزيد من صعوبة تنقل المدنيين بسبب توقيف السيارات القادمة من الجهة الأخرى من قبل الطرفين وتفتيشها بشكل دقيق وجعلها تنتظر في طوابير طويلة.
ضرائب وإتاوات من الطرفين
ويقول العبدالله أن الحركة التجارية بين المنطقتين تتأثر بشكل كبير بسبب فرض كل طرف ضرائب وإتاوات على دخول البضائع والمواد التجارية من الطرف الآخر، مشيراً إلى أن الموظفين والعاملين في مجال المنظمات الإنسانية يعانون أيضاً من هذه التعقيدات والعراقيل على هذين المعبرين.
ويضيف العبدالله أن هناك حالة من الاستياء الشعبي جراء تشديد الخناق عليهم من قبل طرفي النزاع والسيطرة في الشمال السوري رغم وجود علاقات قوية تجمعهم، مشيراً إلى أن التنسيق بينهما يظهر من خلال الزيارات المتبادلة والمتكررة لقياديين من كلا الطرفين، ومن خلال التنسيق الأمني بينهما، لافتاً إلى أن جميع الدلائل تشير إلى وجود تقارب كبير جداً بين الطرفين.
بدوره يقول وليد الحسين (وهو اسم مستعار لنازح من بلدة مورك في ريف حماة الشمالي ويقيم في بلدة كفرتخاريم في ريف إدلب الشمالي)، إن هناك ما يشبه "حكومتين" في هذه المنطقة ذات المساحة الصغيرة والتي تمتد بين ريف إدلب الغربي وصولاً إلى ريف حلب الشمالي.
ويضيف الحسين، أن كل "حكومة" تملك عشرات المؤسسات والوزارات والمديريات ولديها طريقة خاصة بإدارة المنطقة ولا تعترف بالحكومة الأخرى إلى درجة أن مستند "إخراج قيد" أو "شهادة قيادة" أو "دفتر عائلة" لا يقبل في إدلب بحال كان صادراً عن مؤسسات "الحكومة المؤقتة"، وكذلك الأمر في مناطق سيطرة الفصائل الموالية لقوات الاحتلال التركي فهي لا تقبل ولا تعترف بمؤسسات "حكومة الإنقاذ" المتواجدة في إدلب.
ويشير الحسين، أنه رغم الخلاف الظاهري بين طرفي السيطرة في الشمال السوري إلى أن أخبار عن بوادر اندماج الطرفين وتوحيد المنطقتين تحت إدارة حكومة واحدة وجسم عسكري واحد.
أوامر بمنع الإساءة للجولاني
من جهته يقول شادي إبراهيم ( وهو اسم مستعار لأحد عناصر فصيل "فرقة السلطان سليمان شاه" الموالية لقوات الاحتلال التركي)، إن هناك أوامر عسكرية صدرت مؤخراً عن قيادات العديد من الفصائل ومنها "فرقة السلطان سليمان شاه" بمنع العناصر التابعين للفصائل من توجيه إساءة أو انتقاد لزعيم "هيئة تحرير الشام" ( جبهة النصرة سابقاً) أبو محمد الجولاني، حيث يمنع على العناصر انتقاده أو الإساءة له لفظياً تحت طائلة العقوبة وذلك بحجة "تجنب الفتنة الداخلية".
ويضيف إبراهيم، أن الأوامر التي صدرت بشكل سري وتم تعميمها على مجموعات "واتس آب" الخاصة بكل فصيل، أكدت على منع تداول صور أو محادثات تهدف بحسب الأوامر إلى "زعزعة استقرار المنطقة والتحريض"، كما وجهت الأوامر جميع العناصر على ضرورة التعامل مع عناصر "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) بما سمي بـ "روح الإخوة".
ويتابع إبراهيم أنه ومنذ صدور التعميم، لم يعد أحد من العناصر وحتى بعض القادات من الصف الثاني والثالث يجرؤون على توجيه أي انتقاد لزعيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، بل وقام الكثيرون بحذف منشورات كانوا نشروها سابقاً على حساباتهم الشخصية في "الفيسبوك" فيها انتقادات لـ "الجولاني". وباتوا يظهرون المودة لعناصر "هيئة تحرير الشام" ( جبهة النصرة سابقاً) أثناء زياراتهم لمناطق سيطرتها.
تقارب لكسب حليف
بدوره يقول الناشط الصحفي ياسر الأحمد والذي يقيم في ريف إدلب الشمالي، إن الفصائل الموالية لقوات الاحتلال التركي هي من سعت بكل جهدها للتقارب مع "هيئة تحرير الشام"( جبهة النصرة سابقًا) رغم كل الخلافات السابقة، مشيراً إلى أن التقارب هدفه كسب حليف يعد الجهة العسكرية الأقوى اليوم في الشمال السوري.
ويضيف الأحمد، أن موضوع منع عناصر الفصائل الموالية لقوات الاحتلال التركي من انتقاد "الجولاني" هو تطور كبير يدل على قوة العلاقة بين الطرفين، مشيراً إلى أنه لا يعتقد بأن ذلك جاء بطلب من قيادة "هيئة تحرير الشام" ( جبهة النصرة سابقاً)، بل جاء لتسهيل عملية تنقل العناصر عبر المعابر الرئيسية بين المنطقتين دون التصادم بينهم، كما يهدف إلى كسب المزيد من الثقة من قبل متزعم "هيئة تحرير الشام" ( جبهة النصرة سابقاً) واستعداده للتعاون مع الفصائل.
ويكشف الأحمد، عن وجود تطور لافت حدث خلال الفترة الأخيرة والذي يؤكد مدى تطور العلاقات بين الطرفين، فبتاريخ 24 نيسان/ أبريل الفائت ظهر قائد فصيل "فرقة السلطان سليمان شاه" المدعو محمد الجاسم والمعروف باسم (أبو عمشة) وهو فصيل موالي لقوات الاحتلال التركي، في تسجيل مصور في إحدى مضافات شيوخ العشائر داخل منطقة "أطمة" الواقعة في ريف إدلب الشمالي الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً).
وكانت معارك طاحنة استمرت لأكثر من شهرين جرت في عام 2018 بين كل من "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) والفصائل الموالية لقوات الاحتلال التركي، في مناطق ريف إدلب الجنوبي وريفي حماة الشمالي والغربي، حيث انتهت هذه المعارك بطرد الفصائل المسلحة من المنطقة ومن بينها "حركة أحرار الشام الإسلامية، جيش الأحرار، صقور الشام، حركة نور الدين زنكي وغيرها من الفصائل.
وسبق ذلك طرد "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) لفصيل "لواء خط النار" الذي كان يتزعمه "محمد الجاسم" (أبو عمشة) والذي يتزعم حالياً فصيل" فرقة السلطان سليمان شاه" الموالية لقوات الاحتلال التركي.
التعليقات