إبراهيم سمو / ايزيدينا
من الصعوبة بمكان أن نتحدث اليوم؛ في هذا الزمن الداعشي عن الديمقراطية، خصوصاً أن داعش لم ولا تخلف سوى القتل والإبادة والإفساد والتدمير في الحياة والهواء والمياه والأرض والطيور والعمران والنباتات والبشر والعلاقات، أينما حلت أو ارتحلت، بيد أن الكلام عن التوافق، قد يكون محتملاً أو ممكناً، وهذا التوافق الاحتمالي يقود ربما قاصديه إلى ديمقراطية توافقية، محتملة كذلك، أو واقعية تفرضها تداعيات العهد الداعشي، والهزائم الرهيبة التي خلفتها داعش في الإنسان والبنى والثقافة والروح والمعايير والقي.
وحينما تكون الديمقراطية توافقية، فإنها قد تمهد الطريق إلى عناوين مثلى في الفضاء الديمقراطي، وإذا كانت القوى السياسية في روج آفا قصدت أن تمتحن نفسها في تجربة الديمقراطية التوافقية، فالسؤال الذي يطرح نفسه: "هل يمكن أن يُصلَح بل يُعاد بناءُ ما أبادته داعش وأفسدته الديكتاتوريات بين ليلة وضحاها؟ ويحيلنا السؤال إلى:
الكوتا الانتخابية كصورة من التوافق الديمقراطي
ستجرى كما نعلم الانتخابات بعد أن سنّ المجلس التشريعي في روج آفا القانون الانتخابي الخاص بمناطق الإدارة الديمقراطية لشمال سورية، وبعد أن أصدرت السلطة المختصة، لاحقاً، اللائحة التنفيذية لهذا القانون الذي نص على ضرورة تمثيل المكونات العقائدية والقومية؛ ومنها الايزيديون عبر "الكوتا"، التي أشير إليها بنص وجوبي، تضمنه هذا القانون، والجدير بالقول، أن عملية تشميل المكونات الصغيرة بـ "الكوتا"، بحد ذاتها، بادرة إيجابية، تسجل للقانون والجهة المفسرة، لكن الذي يبعث على الالتباس والقلق ويعتبر مأخذاً حقوقياً؛ هو التوزيع غير الواقعي للمقاعد التمثيلية؛ بخاصة تلك المقاعد التي تخص الايزيديين، والسؤال الذي يمكن أن يتبادر إلى ذهن المتتبع هنا: "من المسؤول عن هذا الزلل الحقوقي يا ترى؟".
هل هو المشرع أي المجلس التشريعي، أو هي الجهة المفسرة التي أصدرت المذكرة الايضاحية، أم هنالك أياد أخرى "عابثة"!؟.
لا تؤاخذ، في الواقع، من الناحية القانونية إلا الجهة التي شرعت القانون، وكذلك تلك التي أصدر اللائحة التوضيحية، وتبنت تفسير إرادة المشرع؛ فالمشرع "الروج آفايي" مؤاخذ، لكونه ترك نص المادة، مجملاً وعاماً وملتبساً، ولم يسع إلى التفصيل بل تخلى عن هذا الدور والواجب في تحديد الاستحقاقات وتوزيعها للجهة المفسرة، التي أوقعت بدورها وعبر تفسير غير عادل، السلطة التشريعية؛ أي المجلس التشريعي في حرج كبير، لن يكون في الإمكان تلافيه، إلا عبر مبادرة يُصار بها، إلى تعديل المادة القانونية، أو من خلال لجوء الجهة المتضررة من القانون، للمحكمة الدستورية العليا في "روج آفا ".
الايزيديين والغبن التفسيري
اللائحة لم تنصف الايزيديين، في حقوقهم ووجودهم، وأوّلت الإرادة التشريعية بصورة تم فيها التجاوز، على استحقاقات هذا المكون عملياً وواقعياً، فقدّرت الحقوق على أسس "الديموغرافية المهجَّرة"، و"القرى المفرَّغة"، وحسبتْ تمثيلهم في الكوتا، وفق تلك القلة الباقية، من نسبة أولئك "البشر الفارّين من أنياب الإبادة"، فاكتفت في المذكرة التفسيرية بمنح أربعة مقاعد لإيزيديي "عفرين"، ومقعدين لإيزيديي "مقاطعة الجزيرة"، وسهت عن حقوق الايزيديين الذين توطنوا حلب وأحياءها، منذ عقود أو منذ قرون، ولم تتطرق إليهم كلياً، فالجهة التي أخذت على عاتقها، تأويل إرادة المشرع في "روج آفا"، لم تعدل في توزيع الحقوق على المكون الايزيدي، وتجاهلت الأسباب والدوافع والظروف والملابسات الإبادية الحالية الرامية إلى بتر الايزيديين، واقتلاعهم قسرا عن ديارهم، كما غفلت عن "القلق الوجودي" المزمن للايزيديين، الناجم عن تلك المآسي، التي تعرض لها الايزيديون فيما مضى على مر تاريخهم المدمى ولا يزالون، فلم تتعاطَ الجهة المؤوِّلة، مع ما أصاب ويصيب الايزيديين من ضرر إبادي، بمنطق مَنْ مِن شأنه أن يلم بالأذى، أو يتفهم القهر، أو يتصدى للمحو، أو الإلغاء الذي أوقدته داعش وشقيقاتها في هذا المكون الكردي "الرَسَنْ".
كان على الجهة التي انطلقت، تبيين المقاصد التشريعية في روج آفا، أن تلتمس، وهي تفسر، الأعذار للقرى الايزيدية المُهجَّرة، وتحاول أن توفر ولو نظرياً، الأسباب التي من شأنها أن تعزز "الهجرة العكسية"، لمكون كان منذ وجوده ولايزال مستهدفاً في وطنه، بل مشمولاً بالفرمانات والحروب الإبادية والإلحاق والتذويب والإنكار، وبعبارة أكثر دقة؛ كان على الجهة المفسرة، أن تراعي الاعتبارات المسببة للتهجير الايزيدي، وتمنح، من ثم، مقاعد تمثيلية أكثر من المنصوص عليها في اللائحة.
الايزيديين وأمثلة على الإبادة
مقاصد داعش ونظيراتها المتطرفة واضحة؛ وضوحاً يَسهُلُ معه التعرف، على الدوافع الاستئصالية المبيتة، لدى المقدمين على إبادة الايزيديين، وبترهم من جذورهم، بل محو ثقافتهم والسطو على ممتلكاتهم، والاستيلاء عليهم روحيًا أي استرقاقهم، وسبي نسائهم، وللمثال لا الحصر، فإن ما أصاب الآمنين في قرى "الأسدية"، و"جهفة"، و"درداره"، و"تليلية"، و"لزكة" وسواها في "مقاطعة الجزيرة"، وقرى "غزوية"، و"قسطل جندو" و"قطمة" و"بافلونة" ..الخ، عدا عن القاطنين في أحياء حلب، التي دمرت عن بكرة أبيها، لا يشكل إلا دليلاً قاطعاً، على أن "ديار الايزيديين"، استحالت بهم إلى صفيح ملتهب، من نيران الإبادة، دفعهم كي يهرعوا مثقلين بذاكرة حبلى بـ"الفرمانات"، إلى خارج الحدود، بحثاً عن الأمان والسكينة والاستقرار والسلامة.
المشرع الروج آفائي والمكونات
تجنب المشرع في الفقرة الثانية من المادة ( 4 ) من قانون الانتخابات لمناطق روج آفا وشمال سوريا، عن عمد الدخول في صراعات ومهاترات وسجالات حقوقية وسياسية، فسنّ حصص المكونات بصورة مجملة وغير مفصَّلة بالقول : أربعون بالمئة من الممثلين المنتخبين وفق مبدأ الديمقراطية التوافقية من ضمن المكونات الأثنية والدينية والعقائدية والثقافية والاجتماعية وذلك حسب الكثافة الديمغرافية لكل إقليم، على أن تكون هذه النسبة كوتا انتخابية يختار أعضاؤها من المرشحين اللذين لم يحصلوا على النسبة المطلوبة في الانتخابات العامة وبشكل تسلسلي لكل مرشحي المكونات وبأعلى الأصوات."، فنقلت بذلك عبء التفصيل، وتحديد الحقوق المناط بها حمله، وبكل ثقله إلى كاهل السلطة التنفيذية؛ أي السلطة التي من واجبها تفسير القانون، غير أن هذه السلطة لم تتمكن من توزيع وإسناد الحقوق بصورة صحيحة وعادلة، فتسببت بذلك في حرج تشريعي كبير.
والسؤال: كيف سيتعامل المشرع في "روج آفا" مع ما وقع من تجاوز على الحقوق؟ هل يصار إلى إصلاح الضرر وترغيب الايزيديين "الفارّين" بصورة جادة بـ "الهجرة العكسية"، أم أنه سيسكت بمعنى "يوافق على الغبن"، الذي طال الايزيديين ... الأمر برسم مبشري "الديمقراطية التوافقية"!.
التعليقات