سليمان جعفر / ايزدينا
قبيل إنتشار الفكر السياسي المعاصر، كانت هناك نظرات تملؤها الكراهية تجاه الإيزيديين من قبل أبناء الجوار من الجهلاء الذين كانوا يتهكمون بالإيزيدي عند كل فرصة سنحت لهم، فلم يكن هناك من يدفع الظلم عن الإيزيدي المسكين، ومن إحدى تلك التهكمات كانت إتهام الإيزيدي بالكفر وأنه لايجوز تناول الطعام الذي يعده، مع العلم بأن أجداد الإيزيديين هم الأوائل الذين آمنوا بوحدانية الله في الوقت الذي كان أبناء الجوار يعبدون الأصنام التي يصنعونها بأيديهم ويقسمون باللات والعزة.
في أوائل تسعينات القرن الماضي حدثني صديقي بأن رجل دين كردي يبلغ من العمر قرابة الثمانين عاماً كان في زيارة إلى دمشق عشية عيد الأضحى، وبسبب قلة المواصلات بات ليلته في دمشق ووصل إلى حلب صباح العيد فرأى أضحيته مذبوحة وجاهزة للطبخ، فقال لزوجته مَن الذي ذبح الخروف؟ فردت الزوجة بكل براءة بأن جارنا خليل ( الله يكتر خيرو) ذبحه وفصل العظام عن اللحم.
هبّ الشيخ مذعوراً وكأن ثعبانًا قد لدغه وصرخ في وجه زوجته المسكينة: هيا إرمي بهذه الجيفة خارج المنزل فهي مذبوحة بأيدي الإيزيدي خليل، فلا تقبل ذبيحته أمام الله. بعد ذلك أرسل الشيخ إبنه إلى المسلخ وأتى بخروف آخر وضحّوا به مع انفراج سريرة الشيخ وكأنه حررّ القدس.
بعد حوالي إسبوعين ونحن نسير في إحدى شوارع حي المخابرات في الأشرفية/ حلب، قال صديقي هل تتذكر حادثة الشيخ الذي حدثتك عنها؟ قلت نعم، فقال: ذلك هو الشخص الجالس أمام بيته مع بعض جيرانه. تقدمنا نحوه وألقينا عليه السلام وسألناه إن كان يستضيفنا، فرّحب بنا بكل سعادة ودعانا للدخول إلى بيته. تحدثتُ معه حول كيفية الإنفجار الكوني وكيف تشكلت النجوم والكواكب، وكيف خلق الله الملائكة واللأنبياء والبشر وكل الكائنات الحية، ومن بين الانبياء خلق النبي إبراهيم وأكدت له استنادًا إلى التوراة وبعض المؤرخين والكتّاب العرب والمسلمين أن النبي ابراهم كان كرديًا، فوافقني الشيخ بدون تردد.
ذكّرته بعد ذلك بحادثة ذبح أضحيته وكيفية تصرفه مع الموقف، فأكد الأمر ولم ينفِ الحادثة، وعندما سألته عن السبب الذي يمنعه من أكل ذبائح الإيزيديين؟ أجاب: لايجوز، لأنه... (صمت ولم يكمل الجملة). وحين قلتُ له ياشيخي العزيز أنا رجل إيزيدي، حينها بدأ بالبحث عن مخرج للورطة التي ورّط نفسه بها، فقلتُ له أخبرني عن أدلتك التي تحرّم أكل ذبائحنا، فأجابني: إن ذلك مذكور في القرآن.
قلتُ له هل تقبل بأن يكون القرآن حكمًا بيننا في هذا الموضوع؟ فإستغرب وقال: أنت الإيزيدي تريد محاججتي بالقرآن الذي أسير على نهجه منذ ستون عاماً؟، أجبته بنعم، وقلتُ: إما أنني لا أفهم ما يشير إليه القرآن، أو أنك لم تستوعب ما جاء فيه، وأنا أحترم كل الكتب الدينية السماوية منها والوضعية.
كانت إبنته موجودة أيضًا معنا، فطلبتُ منها أن تحضر القرآن وتفتح على سورة الأنعام وتحديدًا الآية 118، وأن تقرأها على مسامع أبيها، ففعلت ذلك حيث تقول الآية: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ. طلبتُ مجددًا من إبنته أن تشرح لنا الآية وقبل أن تبدأ سألتُ الشيخ: هل نطق الرجل الإيزيدي بشيء وهو يذبح الخاروف؟ فأجابت زوجته بدلًا عنه: بلى يا بني لقد قال الإيزيدي: bi destûrî Xwedê، أي من بعد إذن الله أو اختصاراً باسم الله.
في هذه الأثناء طلب مني الشيخ أن أشرح الآية بنفسي، فأجبته: الآية واضحة وطالما أن الإيزيدي ذكر اسم الله ونادى ربه فهو ليس بكافر بل هو عابد لله، فنظر إلى الشيخ وقال: فعلًا نحن لازلنا بحاجة إلى الكثير من التبحر فيما أنزله الله بالقرآن، فصافحني معتذرًا وقال: نحن لم نفهم القرآن جيدًا حتى الآن.
أحبتي الإيزيديين منذ سنوات طويلة وأنا أدعو أبنائي وإخوتي وأخواتي الإيزيديين أن يقرؤوا كل الكتب الدينية المتوفرة، وكل تلك الكتب نحترمها وهي مقدسة، وثقوا تماما أن تطبيق التوراة والإنجيل والقرآن كما أنزلها الله تفيد الإيزيدي أكثر من المسلم واليهودي والمسيحي، كما أن القرآن يتضمن العديد من الآيات التي تعترف بوجود كافة المكونات ودون تهميش لأحد.
وجاء في القرآن "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" وجاءت في آية أخرى "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً..." وفي آية أخرى " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا...".
من هذه الآيات ندرك أن الله خلقنا جميعًا دون أن يفرق بين مسلم ومسيحي وإيزيدي، وهذا الحقد والكراهية لبعض المسلمين تجاه الإيزيديين نابع من نفسية أولئك الأشخاص الشوفينيين. نستطيع أن نغيّر نظرتهم إلينا عن طريق تفهمنا جيداً لآيات القرآن والإنجيل والتوراة بالإضافة إلى أدبنا الديني الإيزيدي.
التعليقات