
علي عيسو - رئيس تحرير ايزدينا
لم يبقى في قريتي أحد سوى بعض العجزة الذين رفضوا الخروج من القرية وفضلوا أن يكونوا ضحايا على أن يتخلوا عن أرضهم التاريخية؛ التي تكاد تكون محرقة لأبناء الأقلية، فلا النظام كان يعترف بوجود الإيزيديين ولا المعارضة العسكرية احترمتهم، بل تشابه الطرفان في السلوك ذاته وكأنهما مدرسة واحدة تهدف إلى إبادة ما تبقى من الإرث التاريخي لأقدم ديانة على الأرض.
بعد أيام طويلة من قصف المدنيين بالمدافع والطائرات الحربية، وقعت بعض القرى الإيزيدية في عفرين تحت سيطرة الفصائل الراديكالية من الجيش الحر، وتحققت الأمنية التاريخية للغزاة بالقضاء على الوجود التاريخي للإيزيديين في مناطقهم الجبلية، وأصبحوا اليوم مشردين بعد تمسكهم وحفاظهم على أراضيهم لعقود من الزمن، حيث كانت الجبال هي التي تحميهم من شر الأعداء.
قريتي فقيرا والتي يقطنها فقط الإيزيديون، كانت عنوان السلام في عموم المنطقة الكردية، ولطالما تغنى بأهلها الكرد المسلمون لأمانة سكانها وطيبة قلوب قاطنيها، وأمس الثلاثاء أصبحت تتجول في شوارعها عربات عسكرية يقودها جنود يتشابهون بلحاهم الطويلة وسماههم الحاقدة، ويرددون شعارات "الله أكبر، الله أكبر" في إشارة منهم أن القرية وقعت تحت سيطرتهم وباتت غنيمة بما فيها لهم، لتعود إلى أذهاننا صيحات تنظيم الدولة الإسلامية حين سيطرت على شنكال.
سبقت فقيرا قرى إيزيدية أخرى هي "كفرزيت، قيبار، بافليون، قطمة، سينكو"، وتضاف إليها قريتي قسطل جندو وعليقينو التي وقعت تحت سيطرتهم في بداية الحملة العسكرية على عفرين والتي بدأت في العشرين من يناير.
نزح سكانها جميعًا باستثناء القلة، والسبب كما يقول جميع السكان أنهم متخوفون أن يكونوا ضحايا كما وقعت بارين ضحية تطرف هذه الفصائل المهاجمة، حيث يشاهد الجميع في ظل التطور التكنولوجي ما ترتكبه هذه الفصائل من انتهاكات سبق وأن رصدنا بعضًا منها في موقع ايزدينا، فيما بقي الآخر محفوظًا في الأرشيف من قتل وسرقة وتدمير للممتلكات واعتقالات عشوائية وتعذيب وإهانة.
ينال الإيزيديون عقابًا لانتمائهم الديني من جهة كأقلية دينية يحاربها المتطرفون، وكأبناء قومية كردية يحاربها العثمانيون ويلاحقها ولو هربوا إلى الصين، فالرغبة التركية إلى جانب رغبة المتطرفين هي إبادة الهوية المجتمعية لسكان روج آفا الذين استطاعوا إدارة مناطقهم طيلة أعوام متواصلة، بينما كانت المناطق المحررة تختلف فيما بينها على إدارة حي يقطنها خمسون عائلة كحد أقصى، ويتقاتل فيها الفصائل ذات الرايات والأسماء المتعددة والأيديولوجيات المتناحرة والمتشددة.
إيزيديي عفرين كغيرهم من أبناء المنطقة، قدموا شهداء وجرحى ونزحوا مجبرين عن قراهم، وإلى اليوم سقط 11 شهيدًا من المكون الديني الإيزيدي دفاعًا عن أشجار الزيتون، فضلًا عن ثلاثة أطفال شهداء سقطوا نتيجة استهداف قرية ترندة بالغارات الجوية، فرحل الأطفال الثلاثة وتركوا خلفهم والدتهم وأخيهم الرابع جرحى يذرفون دموع الألم.
من بين تلك الجبال في عفرين أسمع أنين المدنيين غضبًا لما حلَّ بهم، وألمًا لتلك البصمة المتشددة من الفصائل المهاجمة التي دمرت مزار بارسه خاتون في قرية قسطل جندو، ومزار شيخ حميد، واستهدفت بقذائفها مزار الشيخ جنيد في قرية فقيرو، ولكن رغم كل ما سبق أسمع أحدهم يقول بأن النصر قريب ولو بعد حين فلا مكان للغزاة في أرض الآباء والأجداد.
التعليقات