فادي الأسمر- إدلب/ ايزدينا
تشهدُ المناطق المحتلة من قبل تركيا وفصائل المعارضة الموالية لها مؤخراً، انفلاتاً أمنياً كبيراً في مناطق ما تسمى "درع الفرات" و "غصن الزيتون"، وكذلك الحال في مناطق إدلب وريفها الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً).
وازدادت في الآونة الأخيرة، عمليات الاغتيال والقتل العمد والسرقة والنهب المنظم، إضافة لعمليات الاختطاف التي يقوم بها متزعمو هذه الفصائل، بهدف طلب فديات مالية كبيرة من ذوي المختَطفين.
ويتساءل مراقبون للواقع الأمني في هذه المناطق، حول جديّة الأجهزة الأمنية التابعة للفصائل المسلحة وقدرتها على ضبط الأمن في وخاصة فيما يتعلق بالجرائم التي يرتكبها عناصر محسوبون على بعض هذه الفصائل نفسها.
ويبدو المشهد في غاية الصعوبة والغموض في مدينة عفرين المحتلة وريفها وريف حلب الشمالي، حيث تشهد هذه المناطق بين الحين والآخر اقتتالاً وتناحراً بين الفصائل العسكرية الموالية لقوات الاحتلال التركي، والتي تهدف إلى توسيع السيطرة وإظهار القوة لدى كل طرف، وعلى الرغم من تشكيل ما يسمى "الشرطة العسكرية والشرطة المدنية" والكثير من الأجهزة الأمنية الأخرى، إلا أن حالة الفلتان الأمني والفوضى تخيم على تلك المنطقة.
أحوال المدنيين
يقول جواد المحمد ( وهو اسم مستعار لأحد الأشخاص المقيمين في مدينة عفرين) لموقع ايزدينا، إن حالة الفوضى الأمنية في المنطقة وتجاوزات الفصائل العسكرية بحق المدنيين لا توصف، فالمدنيون لا يشعرون بالأمان، والخوف والاضطراب يرافقهم حتى داخل منازلهم، وعندما يقررون التسوق لجلب حاجياتهم من السوق فإنهم يضعون في حسبانهم حدوث انفجار في أي لحظة.
ويضيف المحمد أنه بات يخشى أن يتعرض أحد أفراد عائلته للاختطاف وخاصة مع ازدياد مثل هذه العمليات في الآونة الأخيرة، مشيراً إلى عدم ثقته بالأجهزة الأمنية التي يصفها بـ "الفاسدة واللامبالية"، وأنه بسبب ذلك بات لا يخرج من المنزل مساءً إلا في الحالات الطارئة فقط.
وتعتبر ظاهرة انتشار السلاح بأيدي المدنيين دون أي رقابة صفة عامة في المنطقة، إضافة لانتشار السرقات وعمليات النصب والاحتيال وجرائم القتل والاعتداءات والاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة على حد سواء وصولاً لانتشار المخدرات بشكل كبير.
ويعتبر المدنيون هم الضحية الأولى لهذه الظواهر، التي تزيد من معاناتهم جراء الفقر والبطالة وتدهور الأوضاع الاقتصادية والصحية والاجتماعية، إلى جانب انتشار الفساد والرشوة والمحسوبية في شتى المجالات وفي كل القطاعات.
وتعتبر مدينة الباب المحتلة من أكثر المدن التي يقع فيها عمليات اغتيال وتفجيرات بين الحين والآخر، كما تعتبر أكثر المدن رعباً بالنسبة للمدنيين الذين يتذمرون من الانفلات الأمني الكبير في المدينة وانتشار الأسلحة بشكل كبير دون ضوابط، فبتاريخ 5 كانون الثاني/ يناير من العام الجاري، تعرّض الناشط الصحفي بهاء الحلبي لمحاولة اغتيال، قرب "شارع الكورنيش" وسط مدينة الباب المحتلة، كما اغتال مجهولون في وضح النهار الناشط الإعلامي حسين خطيب بخمس طلقات وسط مدينة الباب أيضاً.
حالة أمنية مزرية
يقول خالد الموسى ( وهو اسم مستعار لطالب جامعي مقيم في مدينة الباب المحتلة) لموقع ايزدينا، إنه لا يكاد يمر يوم دون أن تحدث فيها حالة سرقة في الحي الذي يعيش فيه، حيث يتم سرقة الدراجات النارية والسيارات والمنازل والمحلات التجارية.
ويضيف الموسى إن هذه الحالة الأمنية المزرية في المنطقة يرافقها انتشار الحواجز العسكرية بشكل كبير على أطراف المدينة وداخلها والتي تكاد تحصي أنفاس المواطنين، لافتاً إلى أنه يتوقع أن يكون منفذو هذه العمليات والتفجيرات همن من الأجهزة الأمنية نفسها.
وتنتشر عمليات السرقة والخطف بشكل كبير في المنطقة، ويدير هذه العمليات جهات مرتبطة بالفصائل المسلحة نفسها، كما تتنوع أشكال الانفلات الأمني، حيث يتم مصادرة منازل وممتلكات الكرد في بعض المناطق، وسجن العديد من الشباب دون توجيه تهم واضحة لهم، وبات معروفاً لدى الجميع أن الفدية المالية هي الطريق الوحيد لإخراج أي شخص تعتقله هذه الفصائل حتّى وإن كان المعتقل بريئاً.
ولا يبدو الواقع الأمني أفضل في منطقة ما تسمى "نبع السلام"، فبتاريخ 9 أيلول/ سبتمبر الفائت،
أظهرت تسجيلات مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، كيفية تعذيب مجموعة من العناصر للشاب علي سلطان الفرج من أبناء منطقة "سلوك" بريف كري سبي/ تل أبيض الشرقي، حيث تم تعذيبه بشكل وحشي ومهين وتجريده من ملابسه والتلفظ بكلمات نابية بحق الشاب، وذلك بعد أن تم اقتياده من منزله قسراً من قبل المسلحين.
وينتمي العناصر الذين قاموا بتعذيب الشاب إلى فصيل يسمى بـ "صقور السنة" الذي يتبع بدوره لـ "الفرقة 20"، وهي إحدى فصائل المعارضة السورية المسلحة الموالية لقوات الاحتلال التركي.
وسادت حالة غضب بين الناشطين والأوساط الشعبية بعد انتشار فيديو التعذيب، بالتزامن مع استنفار عشيرة "النعيم" وتوجهها لمحاسبة هؤلاء العناصر.
كما تظاهر سكان قرية الراوية غرب سري كانيه/ رأس العين، احتجاجاً على انتهاكات فصيل يدعى "شهداء بدر"، حيث طالب المتظاهرون بوقف تجاوزات هذا الفصيل بحقهم، والذي يقوم بعمليات تشليح وترهيب لسكان المنطقة، مؤكدين أن الفصيل أخذ منهم محصول القمح منذ العام الماضي على أن يتم دفع ثمنه لهم، لكن الفصيل لم يقم بدفع أي مبلغ لهم حتى الآن.
ضعف أداء الأجهزة الأمنية
ويذكر الناشط الصحفي (خ . م) لموقع ايزدينا، أن الانفلات الأمني والعسكري في شمال سوريا وخاصة تلك المناطق التي احتلتها تركيا، يعود إلى ضعف تطبيق القانون، مع تحييد أجهزة الشرطة من خلال إضعاف سلطاتها وتجريدها من صلاحياتها عندما يتعلق الأمر بتجاوزات العناصر التابعين لهذه الفصائل، إلى جانب انعدام كفاءة الأجهزة الأمنية التابعة لهذه الفصائل.
ويضيف الناشط الصحفي أن عناصر هذه الأجهزة الأمنية غير مدربين بشكل جيد وغير جديرين بالمسؤولية الموكلة إليهم، كما أنّ سلطتهم لا تتجاوز إيقاف بعض التجاوزات التي يقوم بها المدنيون، فيما تتلاشى سلطتهم أمام العناصر المتنفذين في الفصائل المسلحة.
ويقول (خ . م) أنه يمكن شراء أغلب عناصر هذه الأجهزة الأمنية بمبالغ مالية، إذ تنتشر الرشوة والفساد بشكل كبير ضمن عناصرهم، مؤكداً أن سكان المنطقة فقدوا ثقتهم بقدرة هذه الأجهزة على ضبط الأمن في مناطقهم ولذلك يحرص أغلب السكان على اقتناء السلاح للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم إن اقتضت الضرورة.
ويقع المدنيون في هذه المنطقة ضحية تجاوزات الفصائل العسكرية من جهة والانفلات الأمني والعسكري من جهة أخرى، وهو ما يؤثر بشكل كبير على الحالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية للمدنيين الذين باتوا يشككون بقدرة هذه الفصائل على حمايتهم وتأمين واقع أمني يساعد في حماية أرواحهم وممتلكاتهم.
ولا يعتبر الواقع الأمني أكثر انضباطاً في مدينة إدلب وريفها وبعض مناطق ريف حلب الغربي حيث تسيطر "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، رغم أن الإحصائيات تظهر أن معدل الجريمة أخف نسبياً مقارنة مع مناطق ريف حلب الشمالي التي تسيطر عليها الفصائل الموالية لتركيا.
ورغم أن "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) تحكم المنطقة بقبضة حديدية، وتملك جهازاً أمنياً قوياً وجهازاً مخابراتياً رديفاً له بحسب سكان المنطقة، إلا أن جرائم القتل والسرقة والاختطاف لا تزال مستمرة.
ففي شهر آب/ أغسطس الفائت تم توثيق حالتي قتل لرجال بحق زوجاتهم؛ إحداها في مخيم يقع في منطقة "مشهد روحين" بريف إدلب الشمالي لرجل قتل زوجته ووضعها في برميل ثم قام بصب الأسمنت فوقها لإخفاء جريمته، والأخرى وقعت في مدينة "دركوش" بريف إدلب الغربي لرجل قتل زوجته ثم وضع السلاح بجانب جثتها للإيهام بأنها انتحرت، ثم انكشفت حقيقة ما جرى لاحقاً.
وتُتَّهمُ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) بأنها تغض الطرف عن عناصرها الذين لديهم تجاوزات وجرائم بحق المدنيين، حيث سُجّلت العديد من جرائم القتل على يد عناصر من الهيئة في مناطق متعددة خلال العام الفائت، دون ورود أنباء عن محاسبة هؤلاء العناصر من قبل محاكم مختصة أو اتخاذ أي إجراء بحقهم.
"حاميها حراميها"
يقول عماد حسين (وهو اسم مستعار لأحد المدنيين في قرية دير حسان بريف إدلب الشمالي) لـموقع ايزدينا، إن أحد القادة المتنفذين في "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) استولى على قطعة أرض يملكها، ومنحها لبعض أقربائه بعد نزوحهم من منطقتهم.
ويتابع حسين أنه راجع أحد المخافر التابعة للهيئة وعرض عليهم شكواه وتعرضه للظلم، وأبرز لهم أوراق ثبوتية تثبت لهم ملكيته لهذه الأرض، فطلبوا منه العودة في اليوم التالي، وعند مراجعتهم في اليوم التالي قاموا بإهانته واتهامه بالكذب؛ مدّعين أنهم تأكدوا أن الأرض هي مشاع عام وأنه إن لم يسكت نهائياً عنها سيحيلونه للسجن بتهمة التزوير.
ويضيف حسين إن الأرض ورثها عن والده ولديه أوراق ثبوتية (طابو أخضر) تثبت ملكيته لها، لكنه لا يجرؤ على الحديث مجدداً بشأنها لعدم وجود أي سلطة قضائية مستقلة، مضيفاً أنه بات يخشى على نفسه من السجن خاصة أن "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، لديها سجون سيئة السمعة تمارس فيها شتى أنواع التعذيب والضغوطات حسب شهادات ناجين منها.
من ناحية أخرى ازدادت في الآونة الأخيرة حالات الاختطاف وخاصة بحق النساء، حيث سُجلت منذ بداية عام 2021 سبع حالات اختطاف لنساء في عموم مناطق إدلب وريفها، بينما سُجلت في العام الفائت أكثر من 12 حالة اختطاف لنساء في مناطق متفرقة من إدلب وريفها وريف حلب الغربي بحسب إحصاءات غير رسمية.
ويعاني المدنيون في إدلب وخاصة في مركز المدينة، من كثرة حالات سرقة السيارات والدراجات النارية، إذ يكاد لا يمر يوم دون تسجيل عدة حالات سرقة لسيارات أو دراجات نارية، فضلاً عن سرقة المحال التجارية.
فقدان الثقة بالأجهزة الأمنية
يقول وائل عز الدين وهو أحد سكان مدينة إدلب لموقع ايزدينا، أنه تعرض لسرقة سيارته من أمام منزله منذ عدة أشهر مع أنها كانت مغلقة بشكل جيد، مضيفاً أنه قدم بلاغاً عنها، ولكن لم يتم العثور عليها منذ ذلك الوقت رغم أنها مسجلة في مديرية "مرور إدلب".
ويضيف عز الدين أنه بدأ يبحث بنفسه عن السيارة، لأنه فقد الثقة بقدرة الأجهزة الأمنية التابعة للهيئة على استرجاع سيارته، كما وصف عناصر الجهاز الأمني بأنهم يفتقدون إلى الخبرة وغير جديون بعملهم، وأن غالبيتهم دون سن العشرين.
ويشير عز الدين أن عملية حفظ الأمن والاستقرار وممتلكات المدنيين تقع على عاتق من يتولى زمام السلطة في المنطقة، وأن العناصر المسؤولة عن أمن وسلامة المواطنين يجب أن يكونوا على قدر كبير من المسؤولية والحرص.
يشار إلى أن الفصائل الموالية لقوات الاحتلال التركي فشلت في جميع محاولاتها الأخيرة لضبط حالة الفلتان الأمني الذي تعيشه مناطق سيطرتها، وتمثلت هذه المحاولات بتشكيل جديد انبثق عن تلك الفصائل مؤخراً تحت مسمى "غرفة عزم" التي دعت لتفكيك المكاتب الأمنية التابعة للفصائل وتوحيد الجهود لضبط حالة الفوضى الأمنية، ثم قامت الفصائل غير المنضوية في "غرفة عزم" بتشكيل جهاز آخر يحمل اسم "الجبهة السورية للتحرير"، ورغم جميع هذه المحاولات تستمر حالة الفلتان الأمني في المنطقة بالتدهور.
التعليقات