فادي الأسمر- إدلب/ ايزدينا
انعكس تدخل قوات الاحتلال التركي في الشمال السوري سلباً على حياة المدنيين بشكل عام، ولم تنحصر معاناة سكان المنطقة في التهجير القسري والاعتقالات ومصادرة الممتلكات وفرض التغيير الديمغرافي، بل طالت التأثيرات السلبية مصادر دخل المدنيين ولاسيما المزارعين، حيث باتت الأسواق في الشمال السوري مفتوحة للمنتجات الزراعية التركية من خضار وفواكه، ما أثر سلباً على المزارعين السوريين وخسارة مصدر دخلهم.
ويرى مزارعون من المنطقة، أن موسم الخضار الصيفية والثمار في مناطق إدلب وريفها، شهد خسائر كبيرة خلال العام الجاري، بسبب دخول عشرات الشاحنات من الخضار والفواكه التركية عبر معبر "باب الهوى" يومياً إلى الأسواق المحلية، لتحل مكان المنتجات الزراعية السورية وتفرض من قبل تجار سوريين متعاملين مع "هيئة تحرير الشام"(جبهة النصرة سابقاً)، التي تستفيد هي الأخرى مادياً من الضرائب التي تفرضها على الشاحنات التجارية التي تعبر من وإلى تركيا من خلال معبر "باب الهوى" الذي يعد المنفذ الوحيد لتركيا من جهة إدلب.
كساد المنتج المحلي
يقول المزارع أسامة الحسن من منطقة سهل الروج في ريف إدلب الغربي، لموقع ايزدينا، إن استيراد الخضار والفواكه التركية تسبب بكساد مواسم المزارعين في منطقة سهل الروج، التي تعد من أهم المناطق الزراعية في إدلب وريفها، حيث تطرح تلك الخضار بأسعار قريبة جداً من أسعار الخضار والفواكه المحلية ويتم الترويج وتقديم التسهيلات لها من قبل السلطات المحلية.
ويضيف الحسن، أنه تكبد خسائر كبيرة هذا العام بعد أن قام بزراعة الفليفلة الخضراء والبندورة بمساحة 10 دونمات وبتكلفة 130 دولار أمريكي للدونم الواحد، لافتاً إلى أنه وبعد نضوج الثمار وطرحها في الأسواق كانت الأسعار منخفضة بسبب الكميات الكبيرة للخضار والفواكه القادمة من تركيا، مشيراً إلى أن اضطر لبيع الطن الواحد من البندورة بأقل من 90 دولار أمريكي ما تسبب بخسارته.
ويشير الحسن إلى أن تكاليف الزراعة مرتفعة جداً، فسعر ليتر المازوت يصل إلى 11 ليرة تركية (ما يعادل 2600 ليرة سورية)، حيث يضطر المزارع لاستخدام مادة المازوت في تشغيل المولدات لجر المياه من الآبار الجوفية لري الأراضي الزراعية، بينما وصل سعر كيس السماد (50 كيلو غرام) إلى 55 دولار أمريكي، فضلاً عن ارتفاع أسعار البذار وشتول المزروعات والمبيدات الحشرية وتكلفة إيجار العمال.
الغاية من استيراد الخضار التركية
وعن سبب استيراد هذه الكميات من المنتجات الزراعية التركية رغم وجود إنتاج محلي كافي يوضح الحسين، أن هناك تجار مرتبطين بـ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) يقومون بالاستيراد ودفع الضرائب للهيئة من أجل فتح مجال التبادل التجاري مع تركيا، رغم أن المنتجات الزراعية السورية أفضل نوعية من المنتجات التركية، ولكن الغاية من ذلك هو تصدير منتجات أخرى للأسواق التركية والاستفادة من فرق الأسعار.
ويشير الحسين إلى أن استمرار الوضع الحالي سيدفع المزارعين إلى العزوف عن الزراعة والبحث عن فرص عمل أخرى، رغم أن غالبية سكان أرياف إدلب يعتمدون بشكل أساسي على الزراعة بجميع أنواعها كمصدر دخل أساسي لهم.
وتسببت موجات الصقيع التي حدثت خلال فصل الشتاء الفائت، بتلف أجزاء واسعة من الأراضي الزراعية، حيث تكبد المزارعون خسائر كبيرة، ورغم ذلك لم تقم ما تسمى "حكومة الإنقاذ" التابعة لـ "هيئة تحرير الشام" ( جبهة النصرة سابقاً) بتقديم أي مساعدات أو تعويضات لمحاولة إنقاذ المواسم الزراعية، بل عمدت إلى زيادة العبء على المزارعين من خلال السماح للتجار الموالين لها باستيراد جميع أنواع الخضار والفواكه التركية وطرحها في الأسواق لتنافس المنتجات المحلية السورية وتتسبب بكسادها.
وتفرض "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) ضرائب مالية تصل إلى نسبة خمسة بالمئة على بضائع الشاحنات التجارية التي تعبر من خلال معبر "باب الهوى" ذهاباً وإياباً، وبشكل متوسط تدخل ما يقارب 30 شاحنة تجارية إضافة لعشرات الشاحنات التابعة للمنظمات الإنسانية والتي تفرض عليها ضرائب بنسبة تتراوح بين 10 إلى 15 بالمئة، وذلك بحسب ما أكده العديد من التجار لموقع ايزدينا.
الاستيراد يضر بالإنتاج المحلي
بدوره يقول أحمد الخالد ( وهو اسم مستعار لمهندس زراعي يقيم في ريف إدلب الشمالي)، إن فتح المجال لاستيراد الخضار والفواكه التركية وطرحها في أسواق إدلب وريفها يعتبر مشكلة كبيرة، لأن هناك مساحات زراعية واسعة في المنطقة تحقق اكتفاء ذاتي من تلك المنتجات، وأن الاستيراد سيضر بكل تأكيد بالمنتج الزراعي المحلي.
ويضيف الخالد أن ما يدفع المستهلك لشراء المنتجات الزراعية التركية هي الترويج لها بأنها مستوردة، حيث لا يوجد اختلاف نوعي بين تلك المنتجات إلا في بعض الأنواع مثل المنتجات التي تحتاج للري بكميات وفيرة من الماء مثل "البطيخ، الخيار والبطاطا"، حيث تعتبر هذه الأنواع من الخضار التركية أفضل من حيث الجودة، أما باقي أنواع الخضار السورية فهي تتفوق على التركية، كما أن جميع أنواع الفواكه السورية أفضل من التركية.
ويشير الخالد أن متوسط خسارة الدونم الواحد تتراوح بين 50 إلى 100 دولار أمريكي على اختلاف نوعية المزروعات، لافتاً إلى أن الحل الوحيد هو إيقاف استيراد الخضار والفواكه التركية باستثناء بعض الأصناف غير الموجودة في سوريا، وأنه يجب على السلطات المحلية دعم المزارعين ومساعدتهم عبر تقديم القروض والمستلزمات الأساسية للزراعة بأسعار مخفضة.
ويحذر الخالد من استمرار استيراد المنتجات الزراعية التركية وتصدير المنتجات السورية مثل الزيتون والثمار التي يحتاجها سكان المنطقة، الأمر الذي سيؤثر على القطاع الزراعي بشكل عام والذي يعد الأساس في عدة منتجات مثل الصناعات الزراعية كالزيوت والسكر والطحين والبرغل وغيرها الكثير من الأصناف والأنواع التي يجب العمل على تطوير صناعتها محلياً والاستغناء عن المنتج المستورد.
فائدة مضاعفة لـ "جبهة النصرة"
وتستفيد "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) من الضرائب التي تفرضها في الداخل على التجار وأصحاب المحلات التجارية والمزارعين بحجة "زكاة الأموال"، وبذلك فهي تستفيد مرتين من هذه الشاحنات التي تقوم بإدخال المنتجات الزراعية التركية إلأى المنطقة.
ويتبع "لهيئة تحرير الشام" ( جبهة النصرة سابقاً) عشرات المزارعين والتجار الموالين لها والتي تساندهم أثناء نضوج مواسمهم الزراعية ويقطن غالبيتهم ضمن مناطق ريف إدلب الغربي ويزرعون عدة أنواع من المزروعات مثل "الملوخية" و"البصل" و"الباميا" و"الفليفلة" وغيرها من الأصناف، وتساعدهم في تصريف منتجاتهم وفرضها بقوة على الأسواق من خلال منع دخول هذه الأصناف لمناطق إدلب وريفها سواء من تركيا أو من مناطق سيطرة الفصائل الموالية للاحتلال التركي في ريف حلب الشمالي، حيث تقوم حواجزها خلال فترة نضوج هذه المواسم بالتدقيق على السيارات وتفتيشها منعاً لدخول أي نوع منها حتى تنفد جميع الكميات الموجودة لدى الموالين لها من مزارعين وتجار.
الجدير بالذكر أنه ومنذ الاحتلال التركي لمناطق في الشمال السوري، بدأت الشركات الخاصة التركية تهيمن على معظم القطاعات مثل الاتصالات والكهرباء والنقل والخدمات إضافة للشركات التجارية، كما باتت أسواق الشمال السوري سوقاً لتصريف البضائع والصناعات التركية بكافة أنواعها الأمر الذي يساهم في ركود المنتجات السورية في الأسواق.
التعليقات